مايو 20, 2024

أحمد رياض عنام: كلنا شركاء
يرتبط نجاح الثورات بعمق الوعي الجمّعي للأفراد والغايات النبيلة التي تقوم من أجلها ، فقيمة الهدف يرتبط بأسباب وعمق الدافع لقيامها . وفي الحالة السورية كانت الثورة ضد النظام الديكتاتوري القمعي دون وجود اي تصور للنظام السياسي البديل المستهدف …
فكانت البدايات مٌرّبكة لأنها جائت بمحض الصدفة التاريخية الغير محسوبة والتي لم يكن لها مساحة راسخة في الذاكرة الجمعية للأفراد بسبب عامل التفرقة والخوف القاتل من قمع السلطة المعادية للحريات ، فجاء الحدث المؤسس لقيام الثورة متدرجاً بمضامين تحمل غضباً مكبوتاً لدى الأفراد في معظم المناطق كدلالة على ان الوجع والشعور بالإضطهاد كان شاملاً ولكنه يملك خصوصية فردية غير تشاركية مع المجتمع بشكل واسع ، وساهم في تطورالفعل الثوري هذا التخندق السلطوي وراء هيبتها التي يفترض ان تكون مقدسة لاتقربها ألسن او أفكار أو همسات من قبل العامة وذلك حسب الوصايا التي تركها الأسد الأب للوريث الشرعي في العائلة!!!! …
تَطوّرٌ الحراك المدني كان مدفوعاً بعوامل داخلية نتيجة إنسداد الأفق الإصلاحية وإنتشار الفساد وهيمنة الأذرع الأمنية على كافة مفاصل الحياة وإنتفاء أي أثر لحراك سياسي معارض حيث جاء في سياق متناغم مع العوامل الخارجية كحالة منسوخة عن الحراك العربي والتجربة التونسية واليمنية ومن ثم المصرية ، والتي تعتبر القدوة في الذاكرة الوطنية السورية ، َفتَحرك الشارع من اجل كسرهيبة وصورة الدولة المغتصبة أمنياً بشكل تصادمي وغير مسبوق …
أمام هذا الواقع كان هناك مارد يقبع في روح وعقل كل سوري مقهور ، ينتظر إطلاقه من اجل النهوض وتمريغ هيبتها بعد عقود من القهرمعلناً عن وجود آدمي يستحق الحياة . مارد متهور يستطيع تحطيم كل شيئ وفي كل الإتجاهات كونه يملك فلسفته الخاصة وحضوره الفردي في وجدان البعض ، شيئ خرافي اقرب للخيال … 
هنا كانت الخيارات ملتبسة بين افراد المجتمع المتعدد الهوية . حيث تم تغييب الهوية الوطنية خلال حكم العائلة واستبدلت بالمناطقية والعشائرية والطائفية والمذهبية والقومية مما ساهم في إختلاف النظرة لهذا المارد فهناك من كان يراه مارداً مغامراً وطائشاً قد يهدد وجوده ، وهناك من رأي فيه روح قدرية وعطية من السماء من اجل الخلاص من هذا الكابوس الغير محدود النهايات حيث يتردد شعار إلى الأبد ليزيد في الإحباط وكسر إرادة الأمة وأملها في التغيير في يوم من الأيام ، وهناك من قرر قتله دون اي تردد لإدراكه المسبق بشكل هذا المارد والذي ذكر في دفاتر آلهة السلطة نذير شؤم كان يجري رصده بشكل مستمر من قبل الجيش الأمني المنتشر في الشوارع والبيوت وفي الزوايا ومابين الضلوع ، وكذلك تم التحذير منه في وصاياهم الأبوية وتلاواتهم في معبد القهر حيث تمارس طقوس بدائية يقدم فيها أجساد كل من قال لا او همس للريح شاكياً من هذا القيد الخانق .
تفرقت الثورة بين اكثرمن مارد فتنقلت بين طائش مغامر وعفوي ، وبين رصين ممسك بلجام التمرد بشكل مدني راقي … وبين مقيد له خدمة لشهواته وتطلعاته المحاربة منذ عقود بحيثٌ يٌسيّره بالكيفية التي يشاء مفرغاً حقداً ومواجهة قديمة لم تكن متوازنة .. .
فضاع الهدف في متاهات اللؤم والأنانية والإنتقام والشبق القاتل للسلطة مماحيد فكرة الثورة وجعلها خارج الصراع ، وصار الموت والقتل وتأجير البندقية وتنقيلها من كتف لكتف والإرتهان للمال والداعم نهج مدمر لاينجز وعداً تشتهيه الأنفس الراغبة بالإنعتاق نحو الحرية ، ولو وجهنا سؤال للكثير ممن يؤيدها لحصلناعلى إجابة واحدة متفق عليها ( إسقاط النظام ) .! مٌرجعَةً صَدى صوتٍ تردد في اكثر من ساحة عربية وطاله الفشل لأسباب عديدة تم تعليق كل أخطاء الثورات وهناتها على مشجب ( الثورة المضادة ) دون النظربواقعية لحقيقة هذا الهدف الفضفاض الذي لم يكن يملك أدوات حقيقية ومقّنعة لمواجهة السلطة القمعية كبديل يمكن الإعتماد عليه دون ان يتعرض لهدم الدولة أو لحزمة المعاهدات التي شكلت درعاً حامياً لهذا النظام …!
فليست القضية بثعّلبة ومكّر السلطة فقط ، او بالتدخل الخارجي والأيادي العابثة ، فالقضية هى نحن .! وحين نجيب على كل الأسئلة التي تعيدنا للبدايات وخاصة السؤال المركزي والذي يٌعرّي فكرنا ومفهومنا بشكل فاضح ….. لماذا قامت الثورة ؟! وهل تمكنت من صياغة فكرها وثقافتها الخاصة المؤكد عليها بشكل جمّعي بحيث يحدد الأسباب والأهداف وماوراء الهدف مجسداً شعاراً مقنعاً للجميع .؟! في هذه الحالة فقط نستطيع ان نمسك بالبدايات الصحيحة ، وبماأننا لانؤمن بالمراجعات وتقييم الخطوات والنظر بواقعية لإمكانياتنا وقدراتنا في تحقيق مانصبو إليه ، فإننا سوف نستمر بالغرق في مستنقع الوههم متحولين لأداة هدامة لفكرة الحرية ومجرد بيادق تحركها مصالح الطامعين .. 
فالثورة لايمكن إختطافها وإدعاء ملكيتها ، لأنها نتاج جماعي وحقوق الملكية فيها جماعية ولاقيمة للأفراد او الجماعات المسيسة في إدعاء الحيازة .! فعامل القوة لايعطي احداً الحق بتحديد اهدافها الآنية والمستقبلية بشكل منفرد أوان يقيدها بشعاراته معبراً عن نهج ديكتاتوري موازي للسلطة ، ورغم ان الهدف المعلن والذي تم العمل على طمسه والتفوق عليه بسبب القضاء على الحراك المدني فإن الواقع الميداني والدولي يدفع بتلك القوى الممسكة بالأرض لتقديم التنازلات المتتالية نتيجة الإستفراد بها مما جعلها تقدم التنازل تلو الآخر لإدراكها بحجم المخاطر الوجودية التي تعترضها وكذلك إنقسام الشارع في تأييدها نتيجة إنكشاف أدوارها في الحفاظ على عرين النظام في العاصمة السورية حيث تم تعطيل ادوات الصراع خدمة لإستقرارالسلطة وبوصايا خارجية كلفت المواطن السوري فاتورة باهظة من الدم والتشرد .! وهى ابعد مايكون عن البدايات والتي تم التأكيد عليها في الحراك المدني الأول والذي كان السباق في ريادة الشارع العفوي وشعاراته المتناغمة مع المرحلة بحيث تنقلت بين المطالب الإصلاحية وصولاً لهدم فكرة السلطة الديكتاتورية ، مع قصورمرافق في فهم مقولة … وماذا بعد ؟! ، فتقدم شعار الحرية والكرامة كهدف مستقبلي دون ان يكون هناك اي تصور لهذا الطرح وكيفية ترجمته سياسياً مما ساهم في تسلق حزمة من الشعارات في المرحلة التي تلت توقف العمل المدني كنتيجة طبيعية لعنف السلطة ليرتسم افق ثورة لاتملك هدفاً واضحاً وموحداً يمكن ان يكون أحد ادوات الدفع الشعبي من اجل التغيير المنشود في بلد متعدد الطوائف والمذاهب والأعراق مما خلق نوع من الإصطفافات الغير متسقة مع الفعل الثوري العام فيما يسمى تدافع المصالح نظراً لغياب الهدف المتوافق عليه . 
وبهذا تكون الثورة السورية قد دخلت في نفق مظلم مشوهة ذاتها وجعلت من شعاراتها المتعددة والقوى التي تصارع من اجل هذه الشعارات مجرد جسور لعبوركل من هب ودب وخاصة اللصوص ومتقاعدي العمل السياسي ومتصيدي الفرص والثروات وأمراء الحروب وعملاء السلطة صاحبة الباع الطويل في صناعة الفتن وزرع الشقاق ، حيث مازال حلم العودة يراودها من اجل إستعادة سيطرتها وهيبتها المفقودة وهى تعمل عليه ليل نهار حتى وإن إقتضى ذلك ان ينتهي الشعب كحالة طبيعية وتتفكك البلاد وتبقى هى وحدها ضمن مساحة جغرافية تستطيع حمايتها وتستورد شعب آخر بديل قادم من وراء الحدود يتوافق ومذهبها السياسي ، لترتسم نهايات مفجعة لوطن خرج من سيطرة السلطة الفاقدة للحس الوطني والمرتكبة لجملة لاحصر لها من الجرائم الموصوفة والتي ترتقي لجرائم ضد الإنسانية ، ومن قدرة المعارضة المفككة والضعيفة والتي بنت أجسامها السياسية على المحاصصة والمحسوبية والفساد والإرتهان لمواقف وطروحات دول الإقليم مما أفقدها شرعية التمثيل والقدرة على لعب دوروطني إيجابي يساهم في وضع حد لإجرام النظام القمعي ويساهم في دعم قرار ثوري مستقل عن إرادة الآخرين ، وكذلك لم تتمكن من ان تكون حاملاً لحل سياسي حقيقي او أن تكون داعماً للبندقية الثائرة ، فسقطت في الإمتحانين لترتسم نهايات سوداوية للشخصية الوطنية السورية والتي لم تستطع ان تمسك بهذه الفرصة التاريخية الغير قابلة للتكرار في اي وقت قادم ……
أ.غ



المصدر: أحمد رياض عنام: الفرصة الضائعة …

انشر الموضوع