مايو 19, 2024

وفشلت كل خطط القائد الخالد أمام انتقام الله من جبروت الظالم… وتم منع بث هذه الأغنية نهائياً.. لأن الدور جاء على تأهيل بشار.!

محمد منصور : الغراب
تنقل الديكتاتور حافظ الأسد بين أكثر من لقب، مما أربك صناع الأغاني التي تغنى له في أكثر من عهد. في بداية حياته كان لقبه المتداول (أبو سليمان) على اسم جده الذي ينقطع نسبه بعده، فلا يعرف له جد ثانٍ وهو الأمر الذي عيره به صدام حسين في القمة العربية بـ (فاس) عام 1982… حين قال له – على ما نقل- أنه يستطيع أن يذكر اسم جده السادس عشر، ويتحداه أن يعرف من هو جده الثالث!
أكثر الأغاني التي اشتهرت للديكتاتور في ثمانينيات القرن العشرين كانت أغنية (زادك الله) التي غناها مصطفى نصري ويقول مطلعها:
زادك الله… زادك الله.. عزُّ وقوة قائدنا… زادك الله
 إلى أن يصل إلى  الكوبليه الثالث الذي يقول:
عهد النضال عهد الصمود عهد بإيمان
عهد القتال.. عهد التحرير يا أبو سليمان
وعندما قرر أبو سليمان، في فترة تحضير ابنه الأكبر باسل لولاية العهد، أن يركز على اسمه، ويجعل الشعب يحفظه ويتغنى به، صدر قرار باعتماد اسم (أبو باسل)، بدلا من أبي سليمان.. ولما كانت أغنية (زادك الله) التي لحنها شاكر بريخان، واحدة من أجمل الألحان الشائعة والقوية الانتشار بغض النظر عن نفاق كلماتها… فقد عز عليهم منعها نهائياً، فقرروا استبدال المقطع الذي أشرتُ إليه بمقطع يقول:
عهد النضال عهد الصمود عهد الإيمان
عهد القتال… حتى استرداد كل الجولان
وهكذا تم غناؤها في إحدى الحفلات… أما أبو باسل، فقد أسال لعاب أشقاءنا اللبنانيين، فخف مطرب لبناني مغمور اسمه علي حليحل، كان يروح ويجيء على الطريق العسكري لتقديم أغنية تقول كلماتها:
أبو باســــــل قائدنا يابو الجبين العالي
تسلم وتصون بلدنا من غدرات الليالي.
وقد صور هذه الأغنية في احدى استديوهات التلفزيون السوري… وكانت جواز مروره لبث أغان أخرى له في برنامج (ما يطلبه الجمهور) رغم أن الجمهور لم يكن يعرف اسمه… إلا أن فرحته لم تصل إلى قرعته، فقد توفي باسل الأسد في حادث سير عام 1994، وفشلت كل خطط القائد الخالد أمام انتقام الله من جبروت الظالم… وتم منع بث هذه الأغنية نهائياً.. لأن الدور جاء على تأهيل بشار.!
معظم الأغاني التي غناها فنانون سوريون للديكتاتور حافظ الأسد، لم تذكر اسمه كاملاً… بل اكتفوا بالإشارة إلى اسمه الأول، كما في أغنية (حافظ ٌإن هب لنجدة الأحرار إعصار) وهي من ألحان عبد الفتاح سكر، لكنها لم تغنّ له بالأصل، بل كانت شارة لمسلسل إذاعي في إذاعة دمشق عن خالد بن الوليد، وبسبب نجاح اللحن وقوته حينذاك قرر المنافقون استبدال اسم (خالد) بـ (حافظ) على اعتبار أن الوزن الشعري واحد، وإن كان الفارق كبير في مطابقة المعنى. أو تخففوا فاخذوا كنيته، وهذه كانت مناسبة كي تشمل إيحاءات الأغنية لاحقا الأب والابن في هذا الحكم العائلي… وحدهم المصريون في الأغنيات الارتزاقية التي كتبوها ولحنوها، وضعوا اسم حافظ الأسد كاملا في الأغنية، كما في أغنية سيد مكاوي التي غنتها ميادة حناوي تحت عنوان: “سورية يا حرية” والتي تقول كلماتها:
سورية يا حرية يا بلد العزة الذهبية
يا كلمة حق مسموعة بقلب الكون مدوية
يا سورية رايتك بالعالي يا اسم وغالي للأيد
عاشت أمجاد طوالي وعاش لك حافظ الأسد.
وكذلك في أغنية هاني شاكر (دمشق يا عشق قلبي) والتي تقول كلماتها الملّفقة والركيكة:
يا جنة المواعيد… مبروك عليكِ العيد
وعلى العرب وعليّ
ويا سعدكْ يا هناكِ حافظ الأسد معاكِ
شايل شرف القضية!
طبعا لم ينجُ بعد ذلك حتى اسم حافظ (وليس ألقابه المتبدلة فقط) من الحذف… وخصوصا في الفترة التي كانت تتردد فيها بين أركان النظام مقولة أن بشار تفوق على أبيه في الحكم، وكان ضروريا تغييب اسم أبيه لإبراز حضوره بشكل أكبر، وهو قرار يعلم الجميع، أن أي وزير إعلام أو رئيس حكومة، لا يستطيع أن يتخذه إلا إذا صدر من القصر الجمهوري…   وهكذا منع بشار بث الأغنيات التي غنيت لأبيه القائد الخالد إلا في مناسبة رحيله… وأذكر أنني كنت أجمع تسجيلات الأغاني التي غنيت لدمشق، فطلبت من إذاعة دمشق نسخة من (قصيدة جبهة) المجد لمحمد مهدي الجواهري التي غنتها المنحبكجية العتيقة ميادة حناوي، ولحنها صفوان بهلوان في الثمانينيات… وعندما حصلت على النسخة المسموح ببثها في إذاعة دمشق اكتشفتُ أن المقطع الذي تختم به القصيدة والذي يقول:
يا حافظ العهد يا طلاّع ألويــــــــــــة تناهبتْ حلبــات العز مُستبقا
لك القوافي وما وّشت مطارفها تهدى وما استنَّ مُهديها وما اعتلقا
عدتُ لسماع التسجيل أكثر من مرة، قبل أن أصدق أن هذا المقطع قد حذف من الأغنية، وأن النسخة التي حصلتُ عليها من إذاعة دمشق… تنتهي بالبيتين التاليين.
مصارعٌ تستقي البادين تربتها في كل شبرٍ مشى فادٍ بها وســــقى
على المدى والعروق الطهر ترفدها نسغ الحياة بديلا عن دم هرقا
وطلاّع الألوية لم يعد يطلع له ذكر في هذه القصيدة، رغم أنها منشورة اليوم على اليوتيوب كاملة في صفحة ما يسمى (رابطة عشاق ميادة حناوي) وليس عشاق القائد الخالد.. فقد عاد النظام بقوة أمام صور تكسير تماثيل حافظ الأسد وتمزيق صوره خلال الثورة، إلى التمسك باسم مؤسس مملكة الصمت والقمع التي وّرثها لابنه، وانطلق هتاف الشبيحة يتغنون باسم “أبي حافظ” كي يكيدوا من أشبعوا روح حافظ باللعنات.



المصدر: أغاني الديكتاتور: كيف انتقم بشار الأسد من ذكرى أبيه؟!

انشر الموضوع