يونيو 28, 2024

مايكل ويس– الديلي بيست: ترجمة مركز الشرق العربي
في واحدة من أجمل القصائد التي كتبت حول القرن العشرين، تمكن دبليو إتش أودن من عمل توازن دقيق ما بين تجسيد تاريخ الحضارات (كما هو تماما) وشرح الإغراء الغريب للصراع الدولي الكبير الذي تجسد في الحرب الأهلية الإسبانية، حيث قال:
“لحظات الازدهار التي نعيشها مثل سيارة الإسعاف والرمل. ساعات الصداقة هي التي نعيشها إلى جانب جيش الشعب”.
يجدر الانتباه هنا إلى أن أودن كان ينوي القتال إلى جانب الجمهوريين ضد القوات الفاشية التابعة لفرانشيسكو فرانكو، أو على الأقل، كان ينوي قيادة سيارة إسعاف لإنقاذ أولئك الذين قاموا بذلك. (ربما لحسن حظ الشعر، لم يقم بأي الأمرين، على الرغم من أنه كان يبث دعاية مضادة للفاشية).
وما الذي كانت عليه إسبانيا في ذلك الوقت سوى صراعا ثوريا ضد دكتاتورية مدعومة من الخارج تشوهها وتستقطبها شمولية قاتلة أخرى؟
جورج أوريل، الذي لم ينتبه إلى كلمات أودن الرومانسية (والذي كان مصابا بعدوى الشيوعية) حول كتالونيا، تعرف على رمي الرصاص والقنابل وما الذي يمكن أن يقوم به عملاء موسكو لجيش الشعب. 
في هذه المتشابهات وأمور أخرى، كثيرا ما تم ربط الكارثة في سوريا بالكارثة الإسبانية، على الرغم من أنه لم يظهر أي أشعار تظهر مقاربات الدمار والإنسانية في حلب (حتى لو كان هناك الكثير من العرب الشجعان المشابهين لأوريل يؤرخون للكارثة في وقتها).
كما أنه من المبكر أن نعرف ما إذا كانت الإمبريالية وسياسات ردة الفعل وموجات اللاجئين سوف تكون قادرة على إزاحة الستار عن حرب عالمية، على الرغم من الاحتمال لا يبدو بعيدا كما كان عليه الأمر في السابق. لكل الأمور غير السارة هذه، فإن الأمر لا يخلو من بعض لحظات الحنان والازدهار، كما كان الأمر عند أودن، لدى أول المستجيبين الذين يؤثرون الغير على أنفسهم. 
يقول محمد فرح، وهو خياط سابق:” كل الأرواح غالية ومهمة. الطفل وحتى لو لم يكن ابني، فهو مثله، لا يمكن أن أشرح هذا الأمر”.
في واقع الأمر، فإن في وسعه القيام بذلك بمساعدة من أخيه خالد، وهو بناء سابق وأبو عمر الحداد السابق. جميعهم متطوعون مع الدفاع المدني السوري، المعروف باسم الخوذ البيضاء، نسبة إلى أغطية الرأس التي يرتدونها للحماية. 
مهمتهم المستحيلة – سحب المدنيين من تحت ركام المباني المدمرة- وثقت في فيلم وثائقي مدته 40 دقيقة على قنوات نيتفلكس، شاهدته لحد الآن 3 مرات وأجبرت زوجتي، التي كان عليها معايشةالمأساة  في سوريا لنصف عقد من الزمان، على مشاهدة الفيلم أيضا.
ولأننا آباء لطفل يبلغ ال 18 شهرا من العمر، فإن المشهد الذي طاردنا أكثر من غيره هو مشهد محمد وخالد وأبو عمر وهم يظهرون في “الخوذ البيضاء” كمصدر للتفاؤل وسط معاناتهم وسط الأشلاء وبقايا المدينة المدمرة. 
قبل نحو عامين، قالوا، بأن برميلين متفجيرين ألقيا على حي الأنصاري في حلب. البرميل الأول أدى إلى جرح عدد من الأشخاص، كما يقول محمد، ولكن الثاني أدى إلى مقتل العشرات. أضاف خالد:” ذهبنا إلى المنطقة، وكانت تشبه القرية الصغيرة، المكونة من 10 بيوت، وكل المباني الأخرى سويت بالأرض”
أمضت فرق الخوذ البيضاء 16 ساعة وهم يبحثون بين الأنقاض عن الضحايا، سواء أحياء أو أموات. لقد كانوا على علم بوجود رضيع تحت الأنقاض كانوا يعتقدون أنه عبارة عن جثة. يضيف أبو عمر:” ولكن الله أكبر، لم نكن ننوي ترك المكان دون سماع صوت، عندما سمعت صوت الرضيع، كان شعوري لا يوصف”.
انهارت السقوف حول الطفل، واسمه محمد وعلى الرغم من تعرضه للحصار لمدة نصف يوم، فإنه كان لا يزال على قيد الحياة، دون أن يصاب بأذى.
يقول محمد:”لقد أطلقنا عليه لقب الطفل المعجزة. كان عمر الطفل أسبوع واحد فقط وفي ذلك الوقت كان عمر ابني عبد الحميد حوالي أسبوعين. لا أعرف كيف دار في خلدي ولكني تخيلت أنه ابني. وبدأت بالبكاء. لم يكن في وسعي الكتمان واجهش جميع من حولي بالبكاء”.
اللقطات الحية لإنقاذ محمد للطفل، تم دمجها مع لم الشمل بين الطفل الضحية الذي غدا بحال جيدة ومنقذه جنوب تركيا، حيث كان رجال الخوذ البيضاء يلتحقون بدورة تدريبية لمدة شهر.
وفقا لرائد الصالح، مؤسس المنظمة، الذي التقيته في بريانت بارك الأسبوع الماضي في خضم جولته المكوكية بين نيويورك وواشنطن للتسويق للفيلم  الوثائقي والاجتماع  مع دبلوماسيين وصناع قرار:” فإن جميع مقاطع الفيديو صورت من قبل الخوذ البيضاء داخل سوريا ومن قبل المصورين الذين يعملون ويتعاونون معنا في حلب”.
أسست الخوذ البيضاء عام 2013 وهي مرشحة حاليا لنيل جائزة نوبل للسلام، حيث بدأت الجماعة ب25 عضوا جميعهم يعملون دون أجر وجاءوا من خلفيات مهنية مختلفة. قال الصالح:” بدأ العدد بالزيادة، حيث وصل إلى 3000 عضوا حاليا. بعض زملائنا قلتوا أو أصيبوا، ولكننا نجند دائما متطوعين جدد ليحلوا مكان الذين خسرناهم، أو من اجل توسيع العدد وتغطية مناطق جديدة”.
يقول الصالح إن هذه المنظمة غير الحكومية تحصل على التمويل من حكومات ديمقراطية من بينها الولايات المتحدة، وبريطانيا وهولندا واليابان وفرنسا والدنمارك وألمانيا إضافة إلى التبرعات التي يقدمها أفراد ومؤسسات مختلفة. يذكر بالاسم صندوق جو كوكس النائبة العمالية التي اغتيلت والتي يذهب جزء من ريع جمعيتها إلى منظمته، وصندوق الأبطال، الذي أسسه الخوذ البيضاء أنفسهم. الميزانية الكاملة تصل إلى حوالي 26 مليون دولار أمريكي. حتى الآن، هذه الأموال أنقذت أرواح حوالي 60000 شخص، على الرغم من أنها غير كافية لحماية أرواح 275000 مدني معرضون لخطر التجويع والصواريخ في حلب. 
في هذه الأثناء، قتل أكثر من 140 متطوع في محاولات الإنقاذ من بينهم، كمال أخبرني الصالح بأسى، خالد حارة، أحد منقذي الطفل المعجزة (وينبغي عدم الخلط بينه وبين خالد فرح المذكور في الأعلى)، الذي لقي حتفه خلال حصار حلب قبل شهرين.  
تصاعدت الخسائر مع تصعيد نظام الأسد وحلفاؤه حملة الأرض المحروقة لاستعادة مناطق حلب التي يسيطر عليها المتمردون. وكما ذكرت الدايلي بيست الأسبوع الماضي، فقد دمرت ثلاث منشآت تابعة للخوذ البيضاء في المدينة بسبب الضربات الجوية الروسية أو السورية وهو الأمر الذي حذر منه الصالح الولايات المتحدة والمسئولين الأوروبيين وذكر لهم أنه أمر أكيد بعد أن اعترض رجاله حوارا لرجال الحكومة عبر قنوات غير آمنة لاتصالات النظام.
قال الصالح:” لم يتواصل أي شخص من الحكومة الأمريكية للاعتذار أو للتساؤل لماذا لم يأخذوا تحذيراتي على محمل الجد”.
بعد مقابلتنا تماما، علم أيضا بمقتل اثنان من زملائه، وهذه المرة في الباب، المدينة الوحيدة التي تسيطر عليها داعش في  محافظة حلب حيث يعمل الخوذ البيضاء ولكن بحذر.
قال الصالح:” كان هناك قصف جوي في الليل ولكننا لم نتحرك لأن المنطقة كانت تحت سيطرة داعش. إننا لا نتحرك في الليل. ربما كان التحالف أو الروس، لا نعرف. بحلول الساعة التاسعة صباحا، ذهب فريق الإنقاذ إلى المباني لمعرفة ما إذا هناك أي شخص تحت الركام ونفس المبنى استهدف مرة أخرى، وبذلك فقدنا اثنان من رجالنا”.
وأضاف، بان الخوذ البيضاء أنقذت أشخاصا أصيبوا بسب تفجير تسببت به داعش وضحت بحياة أشخاص للقيام بذلك. وأضاف:” حتى إننا أنقذنا مقاتلين مرتبطين بالنظام وميليشيات إيران في سوريا، عام 2014. على سبيل المثال، كان هناك مبنى مدمر قريب من جبهة القتال بين النظام وقوات المعارضة وعلمنا أن هناك أشخاصا تحت الركام هناك. ذهبنا وأنقذنا ثلاثة مقاتلين أفغان كانوا يقاتلون إلى جانب النظام”.
وهذا يعني أن الأماكن الوحيدة التي لا يمكن لمتطوعي الخوذ البيضاء الذهاب إليها هي التي تقع تحت سيطرة النظام. يقول الصالح:” حتى مع ذلك فإننا سعداء في مساعدة أولئك المحتاجين في تلك المناطق لأننا نعمل لكل الشعب السوري”. 
عوضا عن ذلك، دخل النظام في حملة تضليل منهجي مفزعة – يدعمها الآن الملالي والكرملين وكل أنواع الأحزاب من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار من الذين يسافرون إلى موسكو وطهران ودمشق- وذلك من أجل تصوير الخوذ البيضاء على أنهم مرتبطون بالجهاديين والغرب، وبالتالي القول بأنهم مرتبطون مع بعضهم البعض.
يقول الصالح:” عندما يتحدث الروس عن الخوذ البيضاء. فإنهم يحاولون تقويض جهودنا وإلقاء الاتهامات الزائفة ضدنا. مثل  أننا غير حياديين أو أننا مرتبطون بالجماعات المسلحة أو أن لدينا مقاتلين. في الواقع، إننا لا ننكر أن أبوانبا مشرعة للمقاتلين إذا أردوا رمي سلاحهم والالتحاق بنا، إذا تعهدوا باحترام ميثاق المبادئ، الذي يتضمن الامتثال إلى القانون الإنساني الدولي، إذا أردوا الانضمام إلى فريق الإنقاذ لدينا المتخصص في إنقاذ الأرواح بدلا من حصد الأرواح”.
على سبيل المثال، محمد فرح كان أحد المقاتلين قبل أن يقرر استبدال كلاشينكوفه بمنشار لتقطيع الركام. شقيقه خالد لم يقاتل ضمن أي فصيل – وهو صورة أخرى كيف مزقت الجماعات المتطرفة الأسر السورية ووحدتهم، ضرب لي منتج  فيلم أورلاندو فون أنشيدل على وتر حساس. حيث قال:” إنني نصف ألماني. خلال الحرب العالمية الثانية، كان أعضاء في أسرتي يقاتلون إلى جانب النازيين؛ كما كان لدي أقرباء حاولوا اغتيال هتلر”. 
بالنسبة لتهم الأسديين والبوتينيين، فإن كلا من فون أنشيدل وشريكته في الإنتاج جوانا ناتاسيغارا لم يكن لديهم سواء الازدراء بهم.
قال فون:” لقد شاهدنا العشرات والعشرات من مقاطع الفيديو. لا أعتقد أن أي شخص لديه خلفية جادة يمكن أن يعتقد أنهم يتعاونون مع المتطرفين”. 
اقرا:
الديلي بيست: أوباما يدرس تسليح المعارضة السورية ولكن من دون مضاد طيران



المصدر: الديلي بيست: الخوذ البيضاء في سوريا.. منقذو الأرواح الذين يصفهم بوتين بالإرهابيين

انشر الموضوع