مايو 19, 2024

د. حبيب حداد: كلنا شركاء
هذا هو السؤال الأساسي الذي يطرحه واقع سورية اليوم , وهذا السؤال يختصر في دلالاته ومبرراته طبيعة ومضمون  ومرامي الصراع الدامي الذي فرض على شعبنا وكان ضحيته  منذ سنوات . كما يطرح , في محاولتنا استشراف احتمالاته القريبة والبعيدة ,امكانات تجاوز وطننا لمحنته الراهنة وتحقيق تطلعاته في الحياة الحرة الكريمة , بعد ان اثبت للعالم اجمع استحقاقه واهليته لبلوغ هذا الهدف المصيري من خلال استعداده لتقديم أغلى وأجل التضحيات المطلوبة .
تلك كانت تطلعات  ومطالب شعبنا المشروعة يوم ان انتفض بصورة جماعية محطما جدار الخوف والإستكانة كي يطوي من تاريخه والى غير رجعة صفحة القهر والاستبداد والامتهان التي امتدت لاكثر من اربعة عقود . وذلك كان خياره الوحيد الذي لا خيار غيره كي يسترد ذاته المغيبة ويحررارادته المصادرة ويستأنف مسار تطوره الطبيعي ويستعيد دوره الحضاري الانساني الذي عرف به على الدوام . واذا كان واقع المجتمع السوري اليوم مهددا بكل مخاطر التقسيم والتشظي والتشرذم والتفتيت,فان صورة هذا الواقع التراجيدي الذي رسمت معالمه وعمقت خنادقه وأنفاقه فصول حرب اهلية مدمرة , في الوقت الذي تبرز فيه فداحة المأساة  التي يعيشها شعبنا اليوم ,فانها تظهر من جانب آخر عظم وخطورة المسؤولية الوطنية التي كان ومازال على القوى الوطنية الديمقراطية السورية ان تنهض بها برؤية موحدة وخطاب عقلاني وصيغة مناسبة مستفيدة من دروس تجارب السنوات الخمس الماضية القاصرة على هذا  الصعيد .
لقد كانت اهم المقومات التي عززت صمود شعبنا وضاعفت ثقته بنفسه في المنعطفات الصعبة التي واجهته في تاريخه الحديث , وكانت في الآن نفسه رصيد رأسماله الرمزي والكفاحي والحضاري هي وحدته الوطنية المنيعة التي ترسخت عبر آلاف السنين بكل مكوناتها وروافدها القومية والاثنية والدينية والثقافية  والتي عكستها هويته الوطنية الحية والمتجددة باستمرار بما يتوافق مع تطور قيم ومبادئ الاجتماع البشري. هكذا كانت وحدة الشعب السوري الوطنية سلاحه الأمضى في مواجهة اقسى التحديات , وكانت اداته المقتدرة في مرحلة الكفاح الوطني للخلاص من السيطرة الاستعمارية المباشرة وفي مرحلة التحرر المجتمعي بعد نيل الاستقلال , اي  ان الأمور في سورية كانت في محصلتها تسير في منحى التطور والتنمية والتقدم المتواصل , قبل مجيئ الانظمة العسكرية والشمولية التي كانت السبب الرئيس في انتكاسة وتعثر هذا المسار الطبيعي وبالتالي في اخفاق عملية التنمية الإنسانية الشاملة والمستدامة. واليوم وبعد انقضاء هذه السنوات على انتفاضة الشعب السوري الوطنية التحررية ,وبعد ان تم حرف هذه الانتفاضة نتيجة مكر التاريخ عن مسارها الصحيح  بفعل عوامل داخلية وخارجية اصبحت معروفة للجميع ,  فان بلادنا تحصد اليوم الثمار المرة لهذا المسار اللاوطني الذي جعل منها   ساحة صراع مريرمدمر بالوكالة  , أدواته المباشرة قوى الظلام والتخلف والإرهاب في مواجهة  قوى الاستبداد والتسلط والفساد.
اليوم اذ يصارع الشعب السوري , بل المواطن السوري نفسه ,من اجل وجوده وبقائه , واذ يتعرض في كل وقت سواء داخل وطنه او في ديار التشرد واللجوء الى كل الأخطار والآلام والمنغصات , فان اقسى  وادهى ما اضحى يهدد كيانه وتاريخه وذاكرته الفردية والجماعية هو ما تعرضت وتتعرض له  وحدته الوطنية وهويته الوطنية , باسم الثورة والتغيير الديمقراطي , من مخططات وممارسات تستهدف تمزيقها واغتيالها بعد التشكيك بها والتبرؤ منها لصالح العصبيات والروابط ماقبل الوطنية من عرقية ومذهبية ودينية وجهوية وعشائرية … . من كان منا يتوقع قبل سنوات ان تصل الأمور ببعض  شرائح وفئات مكونات مجتمعنا ان تتبنى وتعمل في اطار مشاريع خاصة بها في تضاد مع المشروع السوري الوطني الديمقراطي الموحد الذي يجسد كما اسلفنا ارادة السوريين الجماعية في بناء دولة ديمقراطية  عصرية حجر الأساس فيها مبدا المواطنة الحرة المتساوية دون اي تمييز . واية خطايا وجرائم ارتكبتها بحق وطنها تلك المجموعات والشخصيات المعارضة التي ركبت موجة غضب شعبنا محاولة بيعه أوهام الخلاص والتحرر من الاستبداد والارهاب في اقرب مما توقع كل المراقبين , بينما كانت في مواقفها الحقيقية وممارساتها العملية مطية وادوات طيعة لاجندات الدول الأجنبية ولكل المشروعات  والسياسات التي استهدفت وحدة شعبنا وهويته الوطنية في الصميم وتغذية اتون هذه الحرب العبثية المجنونة . ان شعبنا اليوم امام امتحان المصيرالمشترك وامتحان الارادة الموحدة وصيانة هويته الوطنية في عقله ووجدانه .   والقوى الوطنية الديمقراطية الحقيقية تتحمل المسؤولية الاولى في الذود عن وحدة شعبها المستباحة وعن استقلال دولتها ووحدتها السياسية والجغرافية  . وبطبيعة الحال فاننا لن ننتصر في مواجهة هذا الامتحان في عصر العولمة هذا , عصر التحديات الكبرى والتنافس الدولي نحو افاق التقدم والإنجاز في كل الميادين الإقتصادية والسياسية والاحتماعية والثقافية والتكنولوجية , الا اذا نجحنا فعلا في ارساء قواعد مجتمع الديمقراطية  مجتمع الحرية والعدالة والمساواة الذي يعيد للمواطن- الإنسان السوري دوره كأداة وغاية في صنع هذا المستقبل المأمول .
اقرأ:
د. حبيب حداد: مسؤولية النخب الفكرية والسياسية في استمرار واستفحال المأساة السورية



المصدر: د. حبيب حداد: سورية اليوم .. صراع الوجود والبقاء أم صراع صنع المستقبل الأفضل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحصول على الاخبار بشكل سريع يمكنكم الاشتراك بالصفحة الرئيسية للموقع على فيس بوك اضغط هنا
https://www.facebook.com/Qamishly-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%85%D8%B4%D9%84%D9%8A-130811280325797/

انشر الموضوع