مايو 20, 2024

د.غسان المفلح: كلنا شركاء
مرة تلو المرة نؤكد اننا قلة، بح صوتنا ونحن نصرخ منذ الشهر الأول للثورة، منذ أن استشهد مئات الضحايا من المتظاهرين المدنيين، ان هنالك جوا دوليا يتزعمه أوباما، يريد تزمين الثورة في دوامة القتل والعنف الاسدي في سورية. منذ الشهر الأول كتبنا عن الموقف الإسرائيلي، أنه إما الأسد أو لاأحد. الخيانة الاسدية التي رعاها نظام دولي منذ عام 1967 ، وغذا جذورها لكي تنبت في ارض سورية ومجتمعها، دولة اسدية. واذا غابت الاسدية عنها لن تبقى دولة. الخيانة ليس في أنه سلم الجولان، كما يكتب الكثيرون، بل الخيانة في انه سلم سورية لمستقبل اسود. داريا نموذج مصغر على رغم أهميته الرمزية. منذ الشهر الثاني بنيت رؤيتي على أنها معركة طويلة الأمد، لانه لايوجد قرار امريكي باسقاط الأسد. كما لايوجد قرار أيضا بانتصاره. تزمين الثورة السورية، ومن ثم تحدثت عن السورنة، التي هي اكثر دموية من العرقنة والصوملة. بدون هذه الخلفية لا يمكن فهم موقفي من موضوع الهدنة من عدمها في درعا. عدم الالتزام بالهدنة، يعني رفض قرار دولي. في كل المناطق السورية يصلح رفض هذا القرار إلا في حوران. ساشرح لماذا؟
اكتب هذه المادة من أجل داريا. داريا كانت جزء من حوران وستبقى، لانها من أول من تظاهر دعما لدرعا في وجه القتل الاسدي. داريا التي اقتلع الاحتلال الاسدي سكانها وهجرهم برعاية اممية، وخطة ديمستورا. بناء على سياق اتفاق الهدنة المعد في مسار فيينا والموقع في موينخ. حيث صدر بيان مشترك من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولي لدعم سورية، حول الهدنة – أو وقف الأعمال العدائية – في سورية، والتي ستبدأ اعتباراً من السبت المقبل27 شباط 2016، وتستثني الهدنة عصابة داعش الارهابية وجبهة النصرة. إن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا ISSG، وسعياً منهما لتحقيق تسوية سلمية للأزمة السورية، مع الاحترام الكامل للدور الأساسي الذي تضطلع به منظمة الأمم المتحدة، عازمتان تماماً على تقديم أقوى دعم لديهما لانهاء النزاع السوري وتهيئة الظروف لعملية انتقال سياسي ناجحة يقودها السوريون، بتيسير من الأمم المتحدة، لأجل التنفيذ الكامل لبيان ميونيخ الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سوريا في الـ11من شباط 2016، وقرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم 2254، وتصريحات فيينا لعام 2015 وبيان جنيف لعام 2012. هذا البيان وافقت عليه مؤسسات الثورة- ائتلاف وهيئة تفاوض- والدول الداعمة لها وعلى رأسها تركيا والسعودية. لكن على هامش الموت هذا ان الجميع وافق أيضا على استثناء داريا وحلب.
هذا بناء على إصرار روسي اسدي إيراني، وموافقة أمريكية غير مكتوبة وغير معلنة. بغض النظر عن التزام الأسد والروس وايران بالهدنة وشروطها، إلا ان سير الأمور يثبت أنه فعلا تم استثناء داريا وحلب من هذه الهدنة. مضى سبعة سبعة اشهر تقريبا منذ إقرار هذه الهدنة، والصواريخ الروسية لم تنقطع عن حلب، والطائرات والبراميل الاسدية لم تنقطع عن داريا وادلب وريف حلب. صمدت داريا امام هذه الهجمة التي ازدادت شراسة بعد إقرار الهدنة. كنت ممن كتبوا مرارا وتكرارا ان داريا عسكريا ساقطة، لكنها رمزا لن يسقط ابدا. رمزا لنقاء ثورة ابتدأت فيها مع غياث مطر، واستمرت مع أهلها الصامدين بوجه هذه الجريمة الدولية. لم يتحقق منذ إقرار تلك الهدنة أي حراك سياسي يشير بأننا في سياق حل سياسي كما أشار البيان الأمريكي الروسي. ثمانية اشهر والصواريخ والبراميل تتساقط جريمة على داريا وحلب بشكل خاص، وسراقب وغيرها في ريف ادلب، ثم اتى دور ريف حمص خاصة تلبيسة. مجازر لا تعد ولا تحصى حدثت خلال هذه الأشهر المنصرمة.
داريا في قلب حوران، لم تكن لسكان دمشق. منذ بداية الهدنة، خاصة بعد القصف العنيف على داريا وحلب، وقطع جماعة قنديل لطريق الكاستيلو ثم معركة فك الحصار عن حلب، اتخمت وسائل التواصل الاجتماعي بتخوين للجيش الحر والفصائل الأخرى في درعا. تلك الفصائل التي التزمت بالهدنة. ساحاول بايجاز ايراد الغث والسمين في هذه الحملة العاتب منها والشامت والمحرض، ومن يريد النيل من رمزية حوران في هذه الثورة. من المهم العودة لمقولة، تتلخص في أن أمريكا أوباما تريد تزمين الثورة، من اجل عرقنة البلد او صوملته. بدات العمل على هذا الموضوع منذ تشكيل المجلس الوطني السوري. خاصة بعد انعقاد مؤتمره في تونس تشرين ثاني 2011 . لكن لم يكن يريد احد ان يسمع. لا اذكر ذلك كي ابرأ نفسي من المسؤولية، بل كي نعرف خلفية الحدث السوري، حيث تشكل الائتلاف لاحقا بناء على هذا المعطى، وتم العمل على انهاء ظاهرة الجيش الحر ومجلسه العسكري، الذي أوصل داريا إلى هنا، واوصل إلى تخوين مهد الثورة.
استمرت السياسة الاوبامية بعد تنشيط جون كيري كوزير خارجية، من اجل خبرته في سورية مع آل الأسد. صديق شخصي لهم. عنوانان اشتغل عليهما كيري ولايزال، الأول: سورية بوصفها ملف امني يحتاج تفعيل قوي للحرب على الارهاب. الثاني: شرذمة الفعل السياسي والعسكري للثورة، مما يؤدي إلى شرذمة المجتمع السوري نفسه. هذا حدث بتضافر جهود الاسدية الطائفية وناشطي المعارضة، الذين تشاطروا على الثورة وتركوا جرائم الأسد. إضافة إلى الاعلام العالمي وعلى رأسه البي بي سي البريطانية. التي اتخمت العالم كذبا عن سورية، في مرات نادرة تراجعت عنه، واعتذرت بشكل اوقح من الخطأ المقصود نفسه. حوران الآن تهاجم وتدان من قبل بعض السوريين، على وقف القتال فيها. يشتم ناسها، بطريقة لا أخلاقية. يشتم من كانوا الدفعة الأولى لشهداء سورية. من هربتهم درعا خارج سورية على الأردن يشتمونها الآن. هذا الشتم لاهل درعا والعتب على فصائلها. لكل من يقوم به غرضه، صدقيته او عدمها. ما ساقدمه هنا ليس تبريرا:
– درعا ليس لها سوى منفذ واحد وهو الأردن. علينا ان نعرف الموقف الأردني. في الأردن الآن اكثر من مليون ونصف لاجئ سوري. الموقف الأردني التزم بالهدنة ضمن مسار فيينا وميونخ، والتفاهم المباشر بناء على هذا مع روسيا بينيا من اجل تثبيت الهدنة. بدون الأردن حوران تختنق من الأسد. الاردن تحتضن ما يسمى بغرفة الموك. الموك غرفة العلميات بسيناريو امريكي. أمريكا وافقت على الهدنة. من الطبيعي ان تحاول بشتى الطرق فرض الحصار على فصائل درعا من أجل الالتزام بالهدنة. السلفية الجهادية وتنظيماتها مخترقة من المخابرات الأردنية بشكل خاص. كما هي محاولات هذه الحركة انشاء تنظيمات مسلحة تدعم القاعدة، وارسلت قادة لجبهة النصرة تحت سمع ومرأى المخابرات الأردنية والامريكية. تاريخيا الحركة السلفية الأردنية ظهيرها هو الأسد. حاولت جبهة النصرة وبعدها حركة المثنى احداث اختراق لكنها فشلت امام أبناء حوران، وقادتهم رغم ما قامت به من اعتقال لقائد المجلس العسكري العقيد احمد النعمة. لايزال مصيره مجهولا. هذه تندرج أمريكيا واردنيا أيضا في اطار انهاء ظاهرة الجيش الحر الموحد تحت مجلس عسكري واحد وقائد عسكري واحد.
– الهدنة هدفها استنقاع الوضع في حوران. هذا الاستنقاع هو المآل الذي أراده أوباما، ليس في حوران فقط، بل في كل سورية.
– لم تهدا جبهة حوران منذ يومها الأول وحتى إقرار الهدنة. بينما كانت أكثرية الجبهات نائمة. عندما يتم الحديث بشكل صريح ومباشر، إما الالتزام بالهدنة أو مصير حوران سيكون كمصير الشيخ مسكين. الشيخ مسكين التي كانت استراتيجيا أهم من داريا. لمن يعرف جغرافيا حوران وسورية وتوزع جيش الاسد. ابيدت من قبل كل من روسيا وايران والاسديين، مع ذلك رغم انها مدينتي لم اخون أحدا، رغم انه كانت جبهاتهم تنعم بالهدوء، ما عدا جبهة ادلب، تلك الجبهة التي لم تتوقف ابدا. هكذا كان الحديث الأمريكي الأردني والخليجي والتركي، مع الثوار في حوران. هكذا كان التفاهم الإسرائيلي الروسي الأمريكي الأردني الإسرائيلي في حوران قبل الشيخ مسكين وبعدها. ادركت منذ سقوط الشيخ مسكين، أن الامريكان إذا لم يلتزم ثوار حوران بالهدنة، سيتركون الروس يحرثونها بموافقة إسرائيلية اردنية.
– عندما يكون هنالك قرارا دوليا بالاستنقاع، عليك معرفة التالي: كيف تحافظ على قوتك من جهة، وكيف تعمل للانتصار من جهة أخرى.
– لم اترك شاردة او ورادة إلا وانتقدت قادة حوران العسكريين، لكن بدون دعم لا يمكن ان تخوض معركة عسكرية في منطقة محصورة. بين دول كبرى وإسرائيل وشبيحة وفيق ناصر. لم يعد هنالك أي عمق لثوار درعا. فمابالنا أن يتحول هذا العمق إلى معاد أيضا؟
– الإسلاميون منذ البداية تماما كالنظام كانوا يلحون على انهاء رمزية حوران في الثورة، خاصة اسلاميي دمشق، مشايخ تجارها بشكل دقيق. هذا ما اجادت به قريحة الشيخ راجح في الفيديو الشهير. الذي نعت اهل حوران بقلة الشرف. حوران كانت ولاتزال اكثر منطقة بقي علم الثورة السورية يرفرف في فضاءها، مع قسم من ادلب.
– للذي ينتقد موقفي من الهدنة، وينتقد قادة حوران، محق أيضا في جانب أن النظام لو استطاع سيستفرد بدرعا. لكن بالمقابل معادلة” إما ان تقاتلوا أو انتم خونة” فهذه معادلة تعبر عما يمكننا تسميته” هوشة عرب”. أسأل الشيخ كريم راجح ومشايخ جيش الإسلام وغيرهم: من أوقف معركة دمشق 2013 ولماذا؟ وماذا كان تبريرهم؟ أسأله قبلها عن لقاءات الشيخ معاذ الخطيب وبعض قادة دوما عن لقاءاتهم مع محمد حمشو؟ كل هذا كان لوقف معركة دمشق. وأوقفت معركة دمشق، وترك ثوار جوبر وحوران والقدم والمخيم وباقي الضواحي يقاتلون لوحدهم.
– السؤال الأخير الجميع وافق على الهدنة، لماذا مطلوب قادة حوران وفقا لهذا المعطى ان يخرقوها، وليس هنالك تركيا على حدودهم، وليس هنالك مسائل أخرى متداخلة؟ كالمسألة الكردية مثلا. لا يوجد بجنانبهم من يطالب بوقف الدعم لثوار درعا شلة وفيق ناصر، واعتقال كل ناشط من جبل حوران حتى ضد الأسد؟
– لماذا لا تطالبون بفتح جبهة الساحل مثلا؟ لماذا لا تطالبون وتخونون جيش الإسلام؟ أو فيلق الرحمن؟ عندما راح ضحية قتالهم أكثر من 700 شهيد. لم نسمع صوتا للشيخ كريم راجح وامثاله.
– خرق الهدنة يحتاج لقرار من جهتين: اما قرار موحد من قبل من وافقوا على الهدنة من جهة ومن قبل ثوار درعا، الذين هم اقدر على تقدير وضعهم من جهة اخرى.
– لا أظن ان قادة حوران لايدركون ان النظام يستفرد بالمناطق منطقة تلو الأخرى. الهدنة التي كانت تنتظر العمل الفوري في عملية انتقال سياسي. هنا ماذا فعل هؤلاء جميعا، من أجل احراج الأطراف التي دعتهم للموافقة على الهدنة من أجل انتقال سياسي؟
سيكون هنالك قسم ثان لهذه المادة، يتناول الوضع الداخلي في حوران…
غسان المفلح



المصدر: د.غسان المفلح: حول داريا حوران واطفالها

انشر الموضوع