مايو 20, 2024

ناشيونال جوغرافيك: ترجمة هافينغتون بوست عربي
إذا كنت أوروبياً، وخاصة إذا كنت ألمانياً، فأنت تحيا منذ عام وسط حالة من النقاش العام المقلق حول ما تعنيه هذه الهُوية – وكيف يمكن للآخرين الذين وُلدوا في أماكن أخرى أن ينسجموا معها.
في أواخر أغسطس/آب 2015، تصاعدت حدة التوترات حيال تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط. عُثر على 71 شخصاً ميتاً، بعدما تخلى عنهم المهربون، داخل شاحنة مغلقة في النمسا. وهاجمت مجموعة من مثيري الشغب، المنتمين للنازيين الجدد، قوات الشرطة خارج مأوى لاجئين بمنطقة هايدناو، بالقرب من مدينة دريسدن، National Geographic.
وعندما زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المأوى لإظهار دعمها للاجئين، استقبلها متظاهرون غاضبون بصيحات مثل “نحن الشعب”. كما نعتوها بـ “العاهرة” و”الداعرة الغبية” و”الخائنة” – وهي صفة تعود للعهد النازي وتعني “الشخص الذي يخون الشعب”.
بعد مرور 5 أيام، عقدت ميركل مؤتمرها الصحفي الصيفي السنوي ببرلين في 31 أغسطس/آب. كان اللاجئون السوريون حينها في بودابست يقتحمون القطارات المتجهة إلى ألمانيا. وكالمعتاد، أظهرت ميركل هدوءاً كبيراً. كما قالت إن حكومتها تتوقع في ذلك الوقت وصول 800.000 لاجئ في عام 2015. (وصل الرقم لأكثر من مليون لاجئ).
ميركل تساعد اللاجئين
يضمن الدستور الألماني الحق في اللجوء السياسي، كما ذكّرت ميركل الصحافة، وتقول مادته الأولى، “يجب أن تُصان حُرمة الكرامة الإنسانية”. وبالفعل، كان كثير من الألمان يوفون بتلك الوعود ويساعدون اللاجئين بدلاً من إلقاء الحجارة والشتائم. قالت ميركل، “إن ألمانيا دولة قوية. لقد أنجزنا كثيراً من الأشياء. وبإمكاننا القيام بهذا!”
ربما في يوم ما ستُكتب تلك الكلمات –”بإمكاننا فعل هذا”– على ضريحها. في هذه الأثناء كانوا قد ساعدوا في جعل ألمانيا الدولة صاحبة أكثر المشاهد إثارة للاهتمام في مسرح الدراما العالمية.
الهجرة العالمية
على مدى عقود مضت، كانت الهجرة العالمية تزيد بمعدل أسرع من الزيادة السكانية. في عام 2015، وصل عدد المهاجرين حول العالم إلى 244 مليون شخص، حسب ما تقول الأمم المتحدة، وهم الآن يعيشون في بلاد لم يولدوا بها.
كان عدد اللاجئين الذين أُجبروا على الخروج من بلادهم التي ولدوا بها هو 21 مليوناً، ويعد هذا الرقم قياسياً منذ الحرب العالمية الثانية. ويتوقع العلماء أن يُزيد التغيُر المناخي هذا العدد، من خلال مزيد من حالات الجفاف المتكررة وارتفاع منسوب البحار. كما يقول البعض إن ارتفاع العدد يُعزى إلى الحرب الأهلية السورية، التي حفّزت الهجرة الجماعية الحالية إلى أوروبا.
يصل اللاجئون إلى قارة صارت منذ الحرب العالمية الثانية موطناً لثُلث مُهاجري العالم. تمتلك دول أوروبا الرئيسية الآن، والتي أرسلت يوماً ما حشودها الغفيرة إلى الولايات المتحدة، فئات سكانية أجنبية المولد مقارنة بمثيلتها في الولايات المتحدة.
بيد أن بعض العقول الأوروبية وبعض القلوب الأوروبية الأخرى الأقل عدداً هم فقط من تكيّفوا مع هذا الواقع. وحتى في الولايات المتحدة، التي وصفها جون كينيدي بـ “أمة من المهاجرين”، تعد الهجرة فيها مسألة خلافية، بل طالما كانت هكذا دائماً. في خمسينيات القرن الثامن عشر، شعر بنجامين فرانكلين بالقلق من وفود عدد هائل من الألمان إلى ولاية بنسلفانيا. وقال إن لديهم “بشرة داكنة”.
الإفراط في عدد الأجانب
يمتلك القاموس الألماني تعبيراً مشابها لمخاوف فرانكلين، وهو Überfremdung، أو “الإفراط في عدد الأجانب”. إنه الخوف من أن يصير الوطن غير قابل للتعرف عليه؛ بسبب وجود عدد هائل من الغرباء به، يتحدثون بلغات غريبة ويتصرفون بطرق غريبة.
يمكن لأغلبنا على الأرجح، إذا نظرنا بداخل قلوبنا، تخيل ذلك الشعور على الأقل. شهدت ألمانيا في العام الماضي هذا العرض المشتعل. كان هناك مسيرات ليلية ضخمة وخطاب ناري صادر عن خطباء يمينيين في دريسدن وإرفورت.
وكان هناك مئات من الاعتداءات على أماكن إيواء اللاجئين، لا يزال معظمها فارغاً، بعد قيام مجرمين مخمورين قبل مؤتمر ميركل الصحفي بأيام قليلة بإلقاء زجاجات المولوتوف داخل غرفة نوم طفل في مأوى يقع في منطقة سالزيمندورف، قرب مدينة هانوفر.
التصفيق الملائكي
وحتى الآن: لا يزال التصفيق الملائكي يحدث على نحو أهدأ لكن ليس أقل حيوية، في مقابل خلفية التاريخ الألماني. قبل ثلاثة أرباع قرن من الزمان كان الألمان يرسلون قطارات ممتلئة باليهود إلى معسكرات الاعتقال في الشرق. والآن، في محطة قطارات ميونخ، كانوا يرحبون بالقطارات التي تحمل لاجئين مسلمين بالطعام والمياه ودُمى على شكل حيوانات وابتسامات.
في إحدى إذاعات الراديو بدأت الاستماع إليها الخريف الماضي، سمعت صحفية من جريدة Die Zeit تُخبر مستمعيها أنه لا بأس من الشعور “بالثمالة” مع قليل من المتعة بسبب هذا التحول. رد صحفي آخر على ذلك التصريح قائلاً “العواقب الوخيمة قادمة في الطريق”.
أخبرني مايكل روث، وزير الشئون الأوروبية الألماني، في أبريل/نيسان أن “الاتحاد الأوروبي في حالة هشة للغاية. آمل أن يعي الناس ذلك”. شكلت موجة اللاجئين، فضلاً عن عدم قدرة ألمانيا على إقناع بقية القارة باتّباع قياداتها في فتح ذراعيها لللاجئين، سبباً رئيسياً لهذه الهشاشة.
خروج  بريطانيا
أصبح العالم كله على دراية بالأمر في 23 يونيو/حزيران، عندما صوّت البريطانيون في استفتاء وطني على مغادرة الاتحاد الأوروبي. لم يكن اللاجئون هم جوهر القضية –نادراً ما سمحت بريطانيا لأحد بالدخول– لكن الاستطلاعات أظهرت أن الحد من الهجرة، من داخل وخارج الاتحاد الأوروبي، كان الدافع الرئيسي للتصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
يتسبب ما حدث في بريطانيا، وأيضاً تزايد المعارضة الشعبية لظاهرة الهجرة في دول أخرى، في تزايد مخاطر ما يحدث في ألمانيا. فهل يستطيع الألمان حقاً أن يلقوا من فوق كواهلهم الماضي الثقيل لتصبح ثقافتهم مُرحبة بالآخرين؟ إذا كان الأمر كذلك، ففي عالم يمتلئ على نحو متزايد بكل من المهاجرين ومَن لديهم رُهاب الأجانب، ربما ثمة أمل لنا جميعاً.
فولكر دام واللاجئين
في منتصف السبعينيات، عندما كنت في المدرسة الثانوية في مدرسة بروكسل الألمانية في بلجيكا، كان معلم الدراسات الاجتماعية رجلاً يدعى فولكر دام. رغم أني أميركي، كان والدي يتواجد كثيراً في أوروبا، والتحقت أنا بالمدارس الألمانية حتى الجامعة. كان دام طويل القامة، ذا شعر أشقر مجعد ينحسر عند جبهته، أما وجهه فكان منحوتاً بصورة لا تعكس سلوكه اللطيف والمتعاطف.
كان واحداً من المعلمين المحبوبين في المدرسة. في صف مادته عرفت لأول مرة عن الهولوكوست، وقد أخذ فترة لا تُنسى يقرأ بصوت عال روايات شهود العيان في معسكرات الاعتقال. كان دام الذي ولد في عام 1939 في السادسة من عمره عندما انتهت الحرب. كان والده -مدرساً أيضاً- زعيماً في الحزب النازي في قرية صغيرة في ولاية هسن الألمانية، ولكنى لم أكن أعرف ذلك وقتها.
لم نكن على اتصال لما يقرب من 40 عاماً، ولكن لم يكن من الصعب العثور على دام؛ كتبت صحيفة محلية تقريراً عن عمله التطوعي لضحايا الجريمة. بدأنا المقابلة، وعلمت أنه أثناء تقاعده يُعطي دروساً للاجئين المراهقين، الذين وصل عشرات الآلاف منهم إلى ألمانيا وحدهم.
دعاني دام لزيارة روتنبورغ أن دير فولدا -وهي بلدة في ولاية هسن بها أكثر من 13 ألف مواطن وتقع بالقرب من وسط البلاد- حيث قضى معظم حياته المهنية. وقال إنه حتى الآن تتعامل البلدة مع موقف اللاجئين بشكل جيد.
العمدة جرونوالد
في صباح أحد الأيام الممطرة خلال الشتاء الماضي، صعدت أنا ودام عبر الدرج الخشبي البالي لمبنى البلدية الذي يعود للقرن الـ 16 إلى مكتب طالب آخر تتلمذ على يده، وهو العمدة جرونوالد.
روتنبورغ مدينة جميلة، وقديمة، وتتجمع بيوتها نصف الخشبية حول ساحة السوق وعلى طول نهر فولدا، بجانب القصر وحديقته.
خارج النوافذ الطويلة لمكتب جرونوالد، أكدت أجراس الكنيسة البروتستانتية على وصولنا في الوقت المحدد وهو التاسعة صباحاً. جنوب شرق المدينة، في ألهيمير كازيرن، والتي تعني “مركز الاستقبال الأولي” وهو عبارة عن قاعدة للجيش فوق الوادي اللطيف، كان 719 سورياً وأفغانياً وعراقياً، ولاجئون آخرون يبدأون يوماً آخر.
“ثكنات هضبة ألهايمر”
جرونوولد شخص مفكرٌ سريع الحديث يبلغ من العمر 39 عاماً، بشعر أشقر قصير ونظارة سوداء وجسد نحيف، فضلاً عن ابتسامة يضعها دوماً في وضع استعداد لكي يبديها متى أراد. منذ انتخابه قبل 5 أعوام، يحاول جرونوولد أن يبث الطاقة ويدفع بعجلة العمل في المحال التجارية الفارغة بمدينته.
بيد أن قدوم اللاجئين لم يكن ما توقع حدوثه، حسبما اعترف سريعاً. عندما أخبرته ولاية هسن مطلع يوليو/تموز بأن مئات اللاجئين سوف يصلون في 3 أغسطس/آب، انفجرت تلك الأنباء “كما لو كانت قنبلة”، حسبما قال جرونوولد.
ملأ ما يقرب من 700 شخص قاعة دراسية لإجراء اجتماع على مستوى المدينة. وقد علموا خلال الاجتماع من المسئولين أن “ثكنات هضبة ألهايمر”، التي أنفق الجيش 40 مليون يورو لترميمها، ثم صدر قرار بإغلاقها آنذاك، ستصبح “مركز استقبال أولي”، حيث يتم تسكين اللاجئين فيه خلال الأشهر الأولى لهم في ألمانيا خلال انتظارهم للفترة التي تتطلبها عملية التقدم بطلب للجوء والعيش في ألمانيا بصورة دائمة. كان المركز الرئيسي لإيواء اللاجئين بولاية هسن ممتلئاً عن آخره كما أفاد المسؤولون، كان الناس ينامون داخل خيم منتشرة خارج المركز.
ركن النازية
في قاعة روتنبورغ، كان التحفز هو الشعور السائد لدى الحاضرين. سأل أحد الأشخاص: من سيدفع مقابل ذلك؟ وسأل آخر: هل سيُسمح للاجئين بالخروج خارج المركز؟ كما طرح آخر سؤالاً يقول: هل هم ناقلون للعدوى؟ يقول جرونوولد “كان الخوف هو الشعور السائد، ولكن لم يجرؤ أحد بأن يقف ويقول: أنا خائف، أنا لا أريد ذلك”. وأضاف أن أحداً لم يرغب في أن “يُرسَل إلى ركن النازية”، حسبما يقول التعبير الألماني الذي استخدمه عمدة المدينة للتعبير عما دار.
استقبل توماس بادر، مدير الرعاية التمريضية بالولاية، مكالمة من وزارة الشؤون الاجتماعية لولاية هسن في آواخر يوليو/تموز، طالبه فيها المسؤولون بتولي مسؤولية إدارة مركز اللاجئين. وصل بادر يوم الأربعاء الموافق 29 يوليو/تموز، واستلم هاتفاً محمولاً في ضوء ما يتطلبه المنصب الجديد.
كان من المنتظر أن تصل أول دفعة من اللاجئين يوم الاثنين. هاتف بادر جرونوولد، الذي أرسل اثنين من الموظفين ثم حضر بنفسه فيما بعد، ثم بدأ هو وبادر بتنصيب المناضد والكراسي داخل المطعم. يقول بادر “بعد يومين، كان ثمة 600 شخص ينتظرون أمام البناية”.
لقد كانت فترة شديدة الازدحام بشكل جنوني، لكنها مرت بشكل جيد. كانت الأمور أكثر صعوبة في أماكن أخرى. يقول آنسيلم سبراندل، منسق اللاجئين في هامبورغ “لم يكن أي شخص مستعداً، لا أحد في ألمانيا كان مستعداً”. كانت المدينة مضطرة لإيواء 35 ألف لاجئ خلال العام الماضي، وهو نصف العدد الذي تستقبله الولايات المتحدة بأسرها.
وعن ذلك يضيف سبراندل “لم يكن لدينا حالات تشرد، حيث ينام الناس في الخارج. إلا أن الأمر كان قريباً من ذلك”. أسكن فريق سبراندل الناس في بعض المتاجر المفلسة التي كانت تعمل في تطوير المنازل، وفي وحدات تخزين مصنوعة من حاويات السفن، وفي خيم حرارية.
أما في برلين، أُسكن كثير من اللاجئين في صالات الألعاب الرياضية بالمدارس أو في حظيرة طائرات داخل مطار تمبلهوف. وكانت الحواجز البلاستيكية فقط هي ما يفصل الوحدات التي تسكنها العائلات عن بعضها البعض.
في روتنبورغ، اصطحبني بادر عبر الممرات النظيفة داخل الثكنات العسكرية التي تتكون من ثلاثة طوابق، وكنا نمر أثناء سيرنا على الغرف التي اعتاد الجنود أن يتشاركوا مساحتها، والتي تسكنها الآن الأسر الواحدة.
ورغم أن اللاجئين نُقلوا ووُزعوا على مراكز محددة -كان نصيب ولاية هسن 7،35890% من إجمالي عدد اللاجئين، حسب ما توضح المعادلة الفيدرالية لمشاركة الأعباء- وصلت في اليوم السابق لجولتي عائلة عراقية مكونة من 6 أفراد إلى مركز روتنبورغ. وقال بادر “انتشرت الأخبار عن الأماكن التي تجري فيها الأمور بلطف”.
المشهد لا يتغير
صار مشهد اللاجئين ثابتاً في شوارع روتنبورغ. يمكنك أن تراهم يبذلون جهدهم لكي يصعدوا التل نحو القاعدة العسكرية، بينما يدفعون أمامهم عربات الأطفال والدراجات القديمة ويحملون أكياساً بلاستيكية.
وفضلاً عن الغرف التي حصلوا عليها، ثمة ملابس تبرعات ومزايا عينية أخرى، كما يحصلون على بدلات نقدية شهرية تصل إلى 112 يورو للشخص البالغ و63 يورو للطفل. يقول فرانك زيجنباين، صاحب فندق لاندهاوس زيلبرتان المحلي “المال الذين يحصلون عليه ينفقونه هنا في المدينة”. لكنه يبالغ قائلاً “وإلا فربما يمكنك أن تطفئ الأنوار هنا في روتنبورغ”. بيد أن جرونوولد يؤكد أن اللاجئين شكلوا إضافة اقتصادية.
إلا أن ذلك لم يمنع بعض أهالي روتنبورغ من الاعتراض، خاصة على موقع فيسبوك. ذكر جرونوولد مسرعاً في كلماته الطرق التي واجه خلالها اللاجئون مشكلات مع النظام في ألمانيا. إذ إنهم يتركون القمامة في المنتزهات ويركبون الدراجات على أرصفة المشاة.
وأيضاً ثمة أمر مرتبط بنظافة المراحيض، فكثير من اللاجئين اعتادوا على استخدام المراحيض الأسيوية ذات الفتحات المثبتة في أرضية الحمامات، لذا فهم لا يفضلون الجلوس على المرحاض المعتاد. صعد جرونوولد بقدميه على كرسيه ثم جلس القرفصاء لكي يساعدني على تصور المشكلة أمام عيني.
مراكز هامبورغ
في إحدى مراكز اللاجئين بهامبورغ، قابلت عاملي صيانة يحملون مقاعد المراحيض ويشتكون من أن تلك المقاعد تنكسر باستمرار. في قاعدة روتنبرغ، حيث رأيت لاجئاً شعر بالملل فتطوع لتنظيف الرصيف، يقول بادر أن كل الحمامات ينظفها عمال ألمان لكي يتأكدوا أن كل شيء يتم بشكل سليم. وقد رأيت إحدى فرق العمال وهم يغلقون سحّاب بزاتهم المخصصة للتنظيف ويرتدون الأقنعة وأغطية الرأس لكي ينظفوا روضة الأطفال.
في الحمامات وبعض الأمور الأخرى، يقف الألمان على أحد شاطئي خليج ثقافي في مواجهة الشاطئ الآخر حيث يقف اللاجئون، ولا يزال الجسر بينهما غير مشيد بسبب غياب لغة مشتركة للتواصل. يقول جرونوولد “نحن على بداية الطريق وحسب، فيما يتعلق بتفهم مشاعر وأفكار الآخرين. إن كان لدينا قدرة على تبادلها بشكل أفضل، فإني متأكد من أننا سنستطيع إنجاز شيء تاريخي”. يوضح عمدة المدينة أنه لم يكن من هواة ميركل من قبل، ولم يختر تلك المشكلة. لكنه الآن انغمس فيها كليةً.
على الرغم من وجود استثناءات قليلة لتلك القاعدة، فقد استجابت الخدمة المدنية في ألمانيا لتلك الأزمة كما هو متوقع منها، وهي ما يمكن أن نصفها بأنها استجابة جيدة. لكن اختيار كثير من الألمان أن يستثمروا شخصياً في مساعدة اللاجئين، شكّل مفاجأة كبيرة.
فنان جرافيك
في مدينة دودرشتات الواقعة بولاية سكسونيا السفلى، قابلت فنان جرافيك، وأحياناً دي جيه، يدعى أولاف نافت والذي استضاف مراهقين من إريتريا في العام الماضي. بين لي كيف قابل امرأة من الوكالة المحلية للشباب ذات يوم، وكيف أخبرته عن حاجتهم الشديدة لرعاة ولمنازل للقصر الذين جاؤوا إلى ألمانيا في غير صحبة عائلاتهم.
يبلغ نافت من العمر 51 عاماً، وطفلاه، اللذين رباهما وحده، قد غادرا المنزل بعدما وصلا لسن المراهقة. كان نافت يشعر بالتوتر حيال السكن مع شخص أجنبي -لا سيما حول الشعور المرتبط بكيف سيبدو رجل أعزب عندما يؤوي صبياً- لكنه قرر أن يأخذ الفرصة مع فتى قبطي مسيحي من إريتريا يبلغ من العمر 18 عاماً ويسمى ديسبيل.
اقترب كل منهما من الآخر، لدرجة أن ديسبيل اعترف لنافت بعد ثلاثة أسابيع من وصوله في شهر مايو/أيار، بأن أخاه يوسف البالغ من العمر 16 عاماً عالق في ليبيا. كان ديسبيل على اتصال مع المهربين الذين طلبوا منه 2500 يورو لمساعدة أخيه يوسف لكي يصل إلى ألمانيا. أعطى نافت الأموال لديسبيل. وفي يوليو/تموز تمكن ديسبيل من الوصول إلى يوسف على الطريق السريع في ميونيخ حيث تركه المهربون.
والآن يؤوي نافت في بيته زوجاً جديداً من المراهقين. على الرغم من أنه يجادلهم أحياناً حول إطفاء الأنوار في المنزل وغسل الصحون وأنه هو المسؤول الأول بالمكان، لكنه لا يشعر بالندم، بل إنه يطلق على ديسبيل ويوسف “أطفالي”.
قبل أن أقابله بأيام قليلة، عرف أن يوسف له أخ توأم في السجن بإريتريا. دفع نافت مبلغ 1500 يورو لكي يُخرجه من السجن ويجعله يسافر إلى السودان، حيث كان ينتظر عبور الصحارى الكبرى. يقول نافت إنه كان قطعاً الأخ الأخير.
احتساء القهوة بعد الظهيرة
جلست أنا وهو مع كارين شولت، معلمة متقاعدة تعطي ديسبيل ويوسف دروساً في اللغة الألمانية ثلاث مرات أسبوعياً بدون مقابل. يذهب الصبية إلى مدرسة مهنية في أحد الصفوف المخصصة للمهاجرين، وبعد انتهاء اليوم الدراسي يأتون ليجلسوا في مطبخ شولت.
تعطيهم المعلمة القهوة والكوكيز، لأن احتساء القهوة بعد الظهيرة يعد جزءًا من الهوية الألمانية أيضاً. أخبرتهم في أحد الأيام، بعد تردد استمر فترة طويلة، أنه ليس من اللائق في ألمانيا أن تحتسي القهوة بصوت عالٍ. اعترف يوسف بأن جدته أخبرته أنه ليس من اللائق فعل ذلك أيضاً في إريتريا.
نظمت مجموعة من المعلمين المتقاعدين لمدرسة جيكوب جريم في روتنبورغ، والتي عمل فيها دام مدرساً لعقود من الزمن، دورات تدريبية بالألمانية داخل مركز الاستقبال الأولي. في صباح أحد الأيام، قضيت ساعتين مع جوتفريد واكرباث، وهو رجل ودود ذو لحية بيضاء.
لا يعلم واكرباث شيئاً عن المجموعة التي سيلقي عليها الدرس في ذلك اليوم؛ لأن سكان القاعدة العسكرية يتغيرون كل شهر أو شهرين. تبعه خمسة ذكور من أفغانستان تتراوح أعمارهم بين 12 و 35 عاماً وسط كثير من الوجوه التي تملأها الإثارة. وسوف يعلمهم واكرباث الأبجدية الألمانية من خلال الصور: باء بطة، تاء تمساح.
جلس بجواري ساريل (35 عاماً)، وهو رجل صغير الجسد يرتدي سترة سوداء. كان الجو شديد البرودة داخل الغرفة، وسرعان ما أدركت بأن ساريل لم يمكن متعلماً على الإطلاق، لم يكن يعلم حتى اللغة الفارسية القديمة (الأردية) التي يتحدث بها أهل أفغانستان. كان الصبية أسرع منه في حل التدريبات.
إلى اللقاء
داخل الصف. عندما شاهدته وجدته يكتب الحروف جزءاً جزءاً، كما لو كان يرسم. ساعدته أيضاً في تهجئة كلمتي “بابا” و”ماما”، كما أني تخيلت أن أصير في يوم ما مضطراً لتعلم اللغة الأردية بخطوطها الغامضة التي كتبها الطلاب على اللوحة تحت كلمة “إلى اللقاء”. شعرت بالتعب الذي ينتاب ساريل، ليس بسبب الطريق الطويل الذي خاضه من أفغانستان حتى وصل إلى ألمانيا، ولكن بسبب الطريق الأطول الذي عليه اجتيازه.
في تلك المحاضرة كان الطلبة يتعرفون على اللغة الألمانية لأول مرة، كما يقابلون أحد أصحاب اللغة الأصليين المتعاطفين معهم للمرة الأولى أيضاً. يقول واكربارث “عندما تصادفهم في المدينة فإنهم يقولون “مرحباً يا أستاذ”، ويشعرون بسعادة غامرة أنك تعرفت عليهم.
رجل سوري
في ظهيرة أحد الأيام، قابلت رجلاً سورياً يبلغ من 43 عاماً في روتنبورغ، والذي جاء إلى ألمانيا منذ عامين ونصف وأنهى من قبل دورة لتعلم اللغة استمرت ستة أشهر. تحدثنا في غرفة المعيشة الخاصة به أثناء تناولنا الكعكة التي صنعتها زوجته، وكان علينا أن نتحدث من خلال مترجم يتحدث العربية، اعترف لي بأنه في الحقيقة لم يكن طالباً بالمعنى الحقيقي في مثل سنه.
كان أحمد -الذي رفض الإفصاح عن اسمه الأخير مثل كثير من اللاجئين خوفاً من أن يتسبب الإفصاح عن اسمه الأخير في مشاكل لأقاربه في سوريا- يعمل كهربائياً بدمشق. جعلتهم مصر، حيث هرب هو وعائلته أولاً، يشعرون بأنهم غير مرحب به أما ألمانيا، فقد أعطتهم حق اللجوء والرخاء وتلك الشقة الواقعة في وسط روتنبرغ. كان يشعر بالامتنان الشديد، لكنه بعد عامين لا يزال عاطلاً عن العمل، وكان هذا عصياً على الاحتمال.
يقول أحمد “أذهب إلى السوق وأصطحب ولدي إلى المدرسة، لكني لا أخرج لغير تلك الأسباب؛ لأني سأشعر بالخجل إن سألني أحدهم عن عملي. إنني أكنس كثيراً أمام باب الشقة حتى أفعل شيئاً وحسب”. سألني ما إذا كنت أعتقد أن أي دار للمتقاعدين قريبة من المكان قد تسمح له بأن ينظف المكان مجاناً. كما استعرض أمامي بعض تدريبات اللغة الألمانية التي حصل عليها من شبكة الإنترنت.
يتعلمون الألمانية
في هدوء، استمع إلينا أبناؤه الثلاثة البالغين من العمر 16 و 14 و 8 أعوام، وهم يدرسون في المدارس الألمانية منذ عام ونصف. يتعلم ولداه الكبار في مدرسة جيكوب جريم ويتحدثان الألمانية بشكل جيد.
وقف ابنه الأكبر بشعره الممشط اللامع مرتدياً قميصاً ضيقاً أبيض اللون يحمل كلمة “باريس” بالعربية والإنجليزية، تعاطفاً مع ضحايا هجوم نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حسبما يقول. وكان يتمنى أن يصير مصفف شعر، كما أن كان يتدرب على ذلك بأحد صالونات الحلاقة في الشارع.
أما الفتى الثاني البالغ من العمر 14 عاماً، فقال إنه سوف يبقى في المدرسة أكثر من ذلك، إذ إن معلمه قال له إنه يكتب أفضل من كثير من الطلاب الألمان. كما أنه يلعب بمركز رأس الحربة بفريق كرة القدم في المدرسة.
منذ الحرب العالمية الثانية، استقبلت ألمانيا ما يقرب من 50 مليون لاجئ. فمن بين كل ثمانية مواطنين يحملون الجنسية الألمانية ثمة مواطن ألماني وُلد خارج البلاد. وعندما أعلنت ميركل في الأول من يونيو/حزيران 2015 أن المانيا كانت “دولة مهاجرين” وصفت صحيفة فرانكفورتر العامة ذلك التصريح بـ “التاريخي”.
على مدى عقود من الزمن، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ذلك الوصف، مفضلاً ألمانيا الموجودة في أحلامه. “كنا دولة مهاجرين في حالة من الإنكار” يقول مارتن لاوتباك، الذي يدير إحدى برامج اندماج اللاجئين في المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، والذي يعرف في ألمانيا بالاسم المختصر له “بامف” BAMF.
المهاجرون الأوائل
كان المهاجرون الأوائل من أصول ألمانية، وصل عددهم إلى حوالي 12 مليون تم اقتيادهم إلى خارج أوروبا الشرقية بعد انتهاء الحرب، ووصلوا ليجدوا بلداً مدمراً بدون مؤسسات. وسواء كانوا ألماناً أم لا، لم يكن مرحباً بهم.
تروي إريكا شتاينباخ، ممثلة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في البرلمان الألماني المحلي بفرانكفورت، عن تجربتها في الهروب مما يعرف حالياً ببولندا مع أمها وأختها الرضيعة ووصولهم لمزرعة بولاية “شلسفيغ هولشتاين”. تقول شتاينباخ “قال المزارع لأمي عندما طلبت منه حليباً لأختها “إنكم أسواء من الصراصير”. لم يكن ثمة كثير من الود”.
حتى ذلك الكم القليل من الود، لم يحظ به الأتراك. في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ومع ازدهار الاقتصاد، كانت ألمانيا الغربية بحاجة إلى العمَّال. كانت توظِّفهم أولاً من إيطاليا، ثم اليونان وإسبانيا، ولكن الأعداد الأكثر كانت من تركيا. جاء الرجال وحدهم على الأغلب وعملوا في المصانع أو في البناء.
تشاركوا الغرف في ثكنات الجنود أو بيوت الطلبة. لم تكُن ثمة توقعات من أيٍّ من الجانبين بالبقاء، فقد كانوا “عمالة وافدة مؤقتة” أو ما يطلق عليهم بالألمانية “جاستربايتر” وليسوا مهاجرين. كانوا سيعودون ثانيةً إلى تركيا بعد عامٍ أو اثنين، حاملين النقود التي ادَّخروها. وكان سيحل محلهم “ضيوف” آخرون.
كانت هذه هي الفكرة، ولكنَّ الواقع تدخَّل. لم يُرِد أصحاب الأعمال خسارة العمَّال الذين درَّبوهم. واستقدم العمَّال الوحيدون أُسرهم. جلب والد فاتح إيفرين زوجته وأطفاله الثلاثة، ثم أنجب فاتح في ألمانيا. وقال إيفرين “بعد فترة محددة، استقر والدي.
كان جني الأموال الوفيرة في ألمانيا ممتعاً”. يعمل إيفرين الآن أميناً للمركز المجتمعي الإسلامي التركي والمسجد الذي ساعد والده في بنائه عام 1983، في بيبرا، وهي بلدة سكَّانها من الطبقة العاملة، تبعد عن روتنبورغ بخمسة أميال.
أُغلِق برنامج العُمَّال الضيوف عام 1973، عندما تسبَّب الحظر العربي للنفط في الركود. ولكن هناك اليوم ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي يعيشون في ألمانيا. نصفهم فقط مواطنون ألمان. وبرزت مكانة بعضهم، مثل تسيم أوتسديمير، أحد قادة حزب الخضر. ولكن ما صدمني في المحادثات التي أجريتها مع الأتراك العاديين، هو الملاحظة المستمرة للتضارب تجاه ألمانيا.
قالت عايشة كوز كيتشوك، الأخصائية الاجتماعية في كرويتسبيرغ، وهو الحي الذي استقر به كثير من الأتراك في برلين “من الجنون أن تكون ضيفاً في بلدٍ لعقود من الزمن”. جاءت كيتشوك إلى برلين عندما كانت في الحادية عشر من عمرها، وعاشت هنا 36 عاماً، وما تزال لا تشعر بالقبول، وكذلك أطفالها. أضافت “بدأ أطفالي الذين لم أخبرهم قط أنَّهم أتراك يقولون (نحن أتراك) بعد الصف الرابع، لأنَّهم منبوذون. وهذا يؤلمني”. ومع ذلك فإنَّ كرويتسبيرغ هي وطنها الحبيب.
قال أحمد سوزن، المولود في برلين والذي يبلغ من العمر 44 عاماً “جئنا بصفتنا عمَّالاً، واندمجنا بصفتنا عمَّالاً، لا بصفتنا جيران أو مواطنين رفقاء”. وأوضح أنَّه لا يمكنه الاندماج بصورةٍ كاملة في مجتمع لا ينتمي إليه والده.
أمَّا في بيبرا، فالكل يعرفون بعضهم البعض، ويعقد الأتراك مهرجاناً ثقافياً سنوياً في ميدان البلدة، فكما قال فاتح إيفرين، الاندماج قد نجح. رغم أنَّه وُلِد ونشأ في ألمانيا وله العديد من الأصدقاء الألمان، يأمل أن يُدفَن في تركيا.
لم يكُن الإحساس بالقبول التام في ألمانيا سهلاً قط، حتى على بعض الألمان. كان جدَّا كريستيان جرونوولد لأمه لاجئَين، ينتميان للعرق الألماني من شمال صربيا وانتهى بهما الحال في روتنبورغ بعد الحرب. حكت له والدته القصة بعد ظهيرة أحد الأيام في ثكنة ألهايمر. كُنَّا في مبنى الجنود القديم، محاطين بزنازين مليئة بملابس التبرُّعات. وكانت جيسيلا جرونوولد تنسِّق إحدى عمليات الصليب الأحمر، وهي إمداد لاجئي اليوم بالملابس.
قالت إنَّ والدة جيسيلا تمكث الآن في دار رعاية المسنين. أصلها ألماني، وقد عاشت في روتنبورغ 65 عاماً، وحفيدها هو العمدة المحبوب، ومع ذلك فلا يمر يوم من دون أن يتوجه إليها شخص ويقول “أنتِ لستِ ألمانية”، حسب ما تقول. يبدو أنَّها لم تتخلَّص تماماً من اللهجة التي جاءت بها من صربيا.
قوانين المواطنة
لقد تعلَّمت ألمانيا من تجربتها مع الأتراك والمهاجرين الآخرين. فقد أرخت قوانين المواطنة الخاصة بها على مدار الـ16 عاماً الماضية. ,حتى عام 2000 كان ينبغي عموماً أن يكن دمك ألمانياً -أي أن تنحدر على الأقل من أبٍ/أم ألماني/ة- كي تصبح مواطناً ألمانياً. الآن، إذا كنت مقيماً قانونياً ثمانية أعوام أو وُلِدت لأبٍ أو أمٍ من ذوي هذا الوضع القانوني، يمكن أن تصبح مواطناً، وأن تحتفظ أيضاً بجنسيتك الأخرى في بعض الحالات.
والأكثر من ذلك، أنَّ الحكومة الألمانية، في ظل قانون صدر عام 2005، توفِّر الآن دورات الدمج -600 ساعة على الأقل من تعليم اللغة و60 ساعة من تدريس الحياة الألمانية- للحاصلين على اللجوء أو مَن يُحتمَل حصولهم عليه.
وحتى مع تعيين المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين الآلاف من الموظفين الجدد لمعالجة كومة مئات الآلاف من طلبات اللجوء، فهي تستثمر أكثر من نصف مليار يورو هذا العام في برامج الدمج. تقدِّر الهيئة عدد من سيحصلون على الدورة عام 2016 بـ 546,000 شخص.
ثمة إجماع في قلب السياسة الألمانية على حاجة الدولة إلى المهاجرين. إذ يفوق عدد الوفيات عدد المواليد في ألمانيا ما يقرب من 200,000 سنوياً، وذلك الرقم في ازدياد. لذا من دون الهجرة، سينكمش عدد السكَّان.
توصل معهد برلين للسكَّان والتنمية، وهو مركز فكري، إلى إحصائيات تفيد بأنَّ ألمانيا سوف تحتاج إلى صافي مهاجرين يبلغ عددهم حوالي نصف مليون سنوياً حتى عام 2050، كي تحافظ على معدَّل ثابت من عدد السكَّان في سن العمل، وهُم الأشخاص الذين سيموِّلون معاشات المجموعة المتزايدة من المتقاعدين.
لكنَّ عديداً من اللاجئين ليسوا العمالة المدرَّبة التي يحتاج إليها البلد، أو ليسوا حتى مؤهلين للالتحاق ببرامجها التدريبية المهنية الشهيرة. كما تشير التقديرات إلى أنَّ أكثر من 15 % منهم أمِّيون. وكثير من الآخرين ليسوا متعلِّمين وفق المعايير الألمانية.
في مدرسة مهنية في باد هيرسفلد، بالقرب من روتنبورغ، زرتُ أربعة من فصول المهاجرين الذين سُمِح لهم بعامين من الدراسة كي يكتسبوا المهارات اللغوية والمعرفة اللازمين للحصول على دبلومة الصف العاشر، التي قد تؤدِّي بعد ذلك إلى التدريب المهني.
مصطفى الأفغاني
كان معظمهم أكبر من أن يلتحقوا بالصف العاشر. في أحد الفصول، تعرَّفت على مصطفى، وهو شاب أفغاني ذو وجه حزين، يبلغ من العمر 17 عاماً، كنتُ قد التقيته في اليوم السابق في منزل للاجئين الصبيان، وهو يجري بالقرب من مؤسسة بايزرهاوس، حيث يدرِّس دام دروساً خاصة. كان مصطفى قد أخبرني عن مدى سعادته لأنه في ألمانيا، ليس فقط لأنَّه آمن، بل أيضاً لأنَّه يستطيع الذهاب إلى المدرسة، ففي قريته الصغيرة في أفغانستان، حيث كان يرعى الغنم والحمير، لم يتعلَّم سوى القرآن.
يقول مدير مدرسة باد هيرسفلد، ديرك بولشاوزن إنَّ معظم المهاجرين فيها “يرون السماح لهم بالتعليم هديةً. يراه العديد من الألمان واجباً، والواجب دائماً ما يكون سيئاً”. ولكن هناك حداً على أي حال لما يمكن للرغبة العارمة في العمل تحقيقه. إذ قدّرت يوانا ميتس، إحدى الأخصائيات الاجتماعيات هناك، أنَّ ما يقرب من نصف المهاجرين في البرنامج قد يفشلون في الحصول على الدبلومة. وعن ذلك تقول إنَّ “المشكلة أنَّ أمامهم كمّاً هائلاً عليهم تعويضه، فهم يحتاجون إلى أيامٍ مدة الواحد منها 48 ساعة”.
من المحتمل أن يكون اللاجئون الصغار بما يكفي ليتكيفوا بسرعة، مثل أطفال أحمد، إضافةً اقتصادية صافية لألمانيا. أمَّا فيما يخص اللاجئين بأكملهم، فما زال الوقت مبكِّراً للحُكم على الوضع. تقدِّر الهيئة الاتحادية للعمل أنَّ نصف اللاجئين سيظلُّون عاطلين بعد خمس سنوات، ورُبعهم بعد 12 سنة.
ولكن الحجة الداعمة لاستقبالهم كانت إنسانية لا اقتصادية. يظل معظم العامة غير مقتنعين. فالأشخاص القلائل المستعدون للإلقاء بزجاجات المولوتوف في مراكز اللاجئين أو الإلقاء بالبذاءات في وجه المستشارة ليسوا سوى غيض من فيض الألمان المسالمين الصامتين غالباً الذين لا يريدون، من داخلهم، كثيراً من المهاجرين في ألمانيا، وخاصةً المسلمين منهم.
ألمانيا والإسلام
تقبل أغلبية كبيرة من الألمان الهجرة والإسلام فكرياً، كما قالت نايكا فوروتان، الباحثة السياسية بمعهد برلين لأبحاث الهجرة والاندماج، ولكن لا يقبلهما كثيرون عاطفياً. أجرى فريق فوروتان مسحاً على 8,270 مقيماً في ألمانيا عام 2014، قبل هجمات باريس أو بروكسل أو موجة اللاجئين. توصل المسح إلى أنَّ ما يقرب من 40 % يعتقدون أنَّ المرأة لا يمكنها أن تكون ألمانية إذا ارتدت حجاباً. و40 % يريدون الحد من بناء المساجد البارزة.
وأكثر من 60 % يريدون منع الختان، وهو طقس ضروري في كلٍّ من الدين الإسلامي واليهودي. وأخيراً، يعتقد 40 % منهم أنَّه ينبغي على المرء أن يتحدَّث الألمانية دون لهجة أجنبية كي يكون ألمانياً. (لا بد أن تكون والدة جيسيلا جرونوولد قد التقت بأحدهم).
وحتى قبل الهجمات الإرهابية، بل وقبل سلسلة الحوادث الغريبة التي وقعت خارج محطة قطار كولونيا في عشية رأس السنة، عندما تحرَّش المهاجرون، الذين كان أكثر من نصفهم من شمال إفريقيا، بمئات النساء وآذوهنَّ، كان العديد من الألمان يرون المسلمين تهديداً. دفع هذا الشعور إلى عودة ظهور اليمين السياسي.
وقال بيورن هوكِ من حزب البديل من أجل ألمانيا، الحزب الشعبوي الذي يشغل الآن بعد انتخابات مارس/أذار نصف المجالس التشريعية للولايات الألمانية “لا أعتقد أن مثل تلك الكتلة من الناس يمكن دمجها”. يتزعم هوكِ الوفد في ولاية تورنغن التي تقع شرق ألمانيا. كما يعتقد أنَّ الهجرة هدمت “مجتمع الثقة” الذي كان موجوداً في ألمانيا يوماً ما. وقد أضاف بقليل من التوعد أنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا هو “آخر فرصة سلمية لبلدنا”.
يخيف هوكِ كثيراً من الألمان ويصيبيهم بالاشمئزاز. عندما ذكرتُ أنَّني ذاهب للقائه، صاح دام “يا إلهي!”. يبدو هوكِ عاقلاً ووديعاً تقريباً على المستوى الشخصي، وقد كان معلِّم تاريخ منذ بضعة سنوات.
ولكن عندما يضرب على أوتار القومية الغامضة في اجتماعات حزب البديل من أجل ألمانيا في إرفورت، عندما يتزعم الحشود في الميدان الكاتدرائي على أنغام “Wir sind das Volk – نحن الشعب”، قاصداً الشعب الألماني الذي يزعَم أنَّ أنجيلا ميركل تحاول “القضاء عليه” بالهجرة، يُذكِّر كثير من الألمان بالنازيين. قال كريستيان جرونوولد “قصر الرياضة، 1943″، مشيراً إلى الخطاب المشين الذي ألقاه جوزيف جوبلز.
ومع ذلك، يتشارك كثير من الألمان هوكِ على الأقل في القلق الذي ينتابه، وزادته كثرة الهجمات التي شنَّها اللاجئون الصيف الماضي حدَّةً. في انتخابات المقاطعة في هسّن خلال مارس/آذار الماضي، اختار واحد من كل ثمانية ناخبين في روتنبورغ حزب البديل من أجل ألمانيا، وفي انتخابات المجالس التشريعية للولايات في ساكسوني-أنهولت الأسبوع التالي، كانت النسبة واحد لكل أربعة. سيكون من الصعب حشر كل هؤلاء الناس في ركن النازية. ممَّ يخافون؟
يتلخَّص ما يخشونه في كلمة واحدة: Parallelgesellschaften، أو “المجتمعات الموازية”. أو كما يقول هوكِ “تلك الأجزاء من المدن التي لا تدرك فيها أنَّك في ألمانيا”. يُعَد هذا المصطلح بعبعاً حتى في أوساط الألمان المعتدلين.
ربما يثير هذا المصطلح في عقل مواطنٍ أميركي صورةً حميدة، مثل الحي الصيني أو إيطاليا الصغيرة، أو حتى أحد مئات أحياء ألمانيا الصغيرة التي وُجِدت في أميركا يوماً ما. لماذا لا يستطيع الألمان استقبال المهاجرين الآن بنفس هذه الروح؟ وجَّهتُ هذا السؤال لإيريكا شتاينباخ، التي على الرغم من كونها لاجئة سابقة، إلَّا أنَّها معارضة مثيرة للجدل لسياسة أنجيلا ميركل من الجانب اليميني من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
قالت ببساطة “أنا لا أريد هذا. يجب أن نحافظ على هويتنا”. تعرض رجل لسكرتيرتها في محطة قطار ببرلين، قالت إنها “متأكدة” من أنه لاجئ. أما ابن مصففة شعرها، فظهر في الصورة المدرسية ضمن اثنين فقط من التلاميذ الألمان في فصله بالمدرسة الابتدائية في فرانكفورت. وقال موظف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إن عصابات من المهاجرين تسير في شارع التسوق الرئيسي وتقوم بالتجشوء في وجوه الناس. وقالت شتاينباخ “يا إلهي! إلى أين سيأخذنا هذا الوضع؟”
قبل أن أتحدث معها، كنت قد التقيت ببعض الوجوه الجديدة في ألمانيا. قابلت أحمد، الذي كان ينظف أمام باب منزله في روتنبرج. وكان هناك فتيان في ملجأ في برلين، يبكيان حتى النوم، حسب ما قال لي والدهما محمد، حينما يخفقان في الاتصال بأمهم في دمشق .كما قابلت شريف، صاحب مطعم من حلب، وهو أحد الذين رأوا في ألمانيا فرصة أخيرة. لم يذهب أطفاله إلى المدرسة منذ بدء القتال في عام 2011.
في نفس الصالة الرياضية في برلين، رأيت فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً، تبدو عليها علامات الحمل، كان وجهها البيضاوي الناعم يحيط به وشاح أبيض. بعد أن بدأت الحديث بقليل، أجهشت بالبكاء، فهي تفتقد عائلتها في سوريا، وتشعر بالامتنان للألمان على طيبتهم، ولكنها تبكي أيضاً كلما تذكرت كيف شعرت بالخوف عندما تجمع حشد غاضب من الألمان في الشارع .قالت إنها ودت لو تستطيع أن تقول لهؤلاء الألمان إنها لم تأت لتأخذ شيئاً منهم.
كانت الكراهية مروعة، ولكن يمكنني أن أتفهم تخوف كثير من الألمان. حتى أحمد يتفهم ذلك. قال لي أحمد “يحق للألمان أن يخافوا على بلدهم. فألمانيا تعودت على الأمن والنظام. والناس يخافون أن يتغير الوضع”. لكن لقائي معه ومع الآخرين أثّر علي. سألت شتاينباخ إذا ما كانت تواصلت شخصياً مع أي من اللاجئين أجابت “لا”.
ملاذ في أوروبا
يفر الناس من الأراضي التي مزقتها الحرب بحثا عن الأمان، والحياة الأفضل. يغادر الناس بلدانهم الأصلية ويهاجرون إلى أوروبا منذ عقود. وقد ساعدت هذه الموجات البشرية في تشكيل شخصية أوروبا الحديثة. يأتي التحدي الأخير للقارة العجوز من تلك الأعداد غير المسبوقة التي وصلت في 2015. العديد من هؤلاء اللاجئين يطالبون بحق اللجوء، وهو حق الحماية بموجب القانون الدولي، وهذا يعني أنه لا يمكن طردهم ليواجهوا الأخطار التي فروا منها.
كان العداء تجاه المهاجرين في ألمانيا أقوى في ولايات ألمانيا الشرقية السابقة، حيث يعيش عدد أقل منهم. فهم لا يزالون أفقر من ألمانيا الغربية. قالت نايكا فروتان أن اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في البلد ككل يعزز المشاعر المناهضة للمهاجرين، ولكن لا توجد أسباب فعلية للقلق بشأن توافد اللاجئين.
فالاقتصاد الألماني قوي والبطالة منخفضة، والحكومة حققت فائض 19.4 مليار يورو العام الماضي. يمكن لألمانيا أن تتحمل دمج اللاجئين مع استمرار الاستثمار في البنية التحتية لتحقيق الاستفادة لجميع الألمان. قالت فروتان “ليس هناك ما يستدعي الذعر الحقيقي. إنه ذعر ثقافي”.
ووالدة فروتان (44 عاماً) ألمانية ووالدها لاجئ من إيران، وهي تضع كل أملها في التعليم. وأضافت فروتان “يمكنك تثقيف الناس ليروا أن الاندماج أمر بديهي” مثلما حاولت ألمانيا، بنجاح محدود، القضاء على معاداة السامية.
منذ الحرب العالمية الثانية، مات جيل من معادي السامية المتشددين، ونشأت أجيال جديدة تشاهد في التلفزيون وأيضا في المدارس، مع مدرسين مثل دام، ما فعله النازيون. يشير الاستطلاع الذي أجرته فروتان إلى أن تغييراً مماثلاً سيجري في ما يخص المهاجرين. فمن المرجح أن يتقبل الشباب الألماني الختان والمساجد أكثر من الكبار.
إلا أن اللاجئين جاؤوا إلى بلد لا يزال يتلمس طريقه لهوية جديدة، ” “نحن” الألمانية الجديدة” كما قال الرئيس يواخيم غاوك في خطابه عام 2014. ترى فتوران أن “نحن” أكثر شمولاً تعتبر جزءاً من ألمانيا الحديثة، المنفتحة على العالم والمتقبلة للتغيير. ومع ذلك، فإن المحافظين الألمان، ليسوا الوحيدين المعارضين لتلك الرؤية.
فالعديد من المهاجرين المسلمين ليسوا من أنصار الانفتاح والحداثة. فنحو 30 % منهم، وفقاً لمسح أجري عام 2013، أصوليون: وهم يعتقدون أن الإسلام يجب أن يعود إلى جذوره في القرن السابع، وأن قوانينه لها الأسبقية على القوانين العلمانية. في مسجد مولانا في كروزبرج التقيت مدرساً شاباً ملتحياً، سيركان أوزالباي.
تحدث، كما تحدث غيره من المسلمين، عن العداء الذي يلاقيه من الألمان.في بعض الأحيان، عندما يمر مرتدياً عمامته وعباءته، يبصقون. فاجأني أوزالباي بالتحدث كعضو بحزب “البديل من أجل ألمانيا” .
قال “اللاجئون مكانهم ليس هنا. المسلمون لا ينتمون لهذا البلد”. ينصح سركان رواد المسجد بالعودة إلى تركيا إذا تمكنوا من ذلك، فهو يرى أنه من الصعب أن يلتزم المسلم بتعاليم القرآن في ألمانيا.
أحد المبادئ التي تجعل المسلمين الأصوليين في صراع مع الألمان، الذين يتضمن دستورهم مساواة المرأة بالرجل، هو امتناعهم عن مصافحة النساء. والآخر هو عدم تقبلهم للمثليين. في أستوديو في نويكولن، صبيحة لقائي مع أوزالباي، صافحت نوعاً مختلفاً من المسلمين، فهي تدخن بشراهة، وتعمل DJ، وتصرح بأنها مثلية. اسمها إيبك إيبكتشيوغلو. نشأت إيبك في برلين وهي تعشقها.
لم تكن تحبها دائماً. فعندما تخرجت من المدرسة الثانوية، كانت لغتها الألمانية ضعيفة، ولم يكن لديها ارتباط عاطفي بالبلد. قبلت وظيفة جليسة في لندن، ولم تكن تعلم ما إذا كانت ستعود. ولكن في يوم من الأيام، سحبت كتاباً للشاعر الألماني جوته من أحد الرفوف.
كان الكتاب هو الديوان الغربي-الشرقي، الذي عبر فيه الشاعر، الذي اشتهر بانفتاحه على العالم، عن احترامه للإسلام. شعرت إيبك كما لو كانت القصائد تتحدث إليها. تتذكر أنها قالت “ما أجمل تلك اللغة!”ثم رجعت إلى برلين. الآن، إلى جانب أدائها في النوادي في جميع أنحاء العالم، قالت أنها في بعض الأحيان تتحدث في معهد جوته بالخارج، كممثلة عن ألمانيا الجديدة.
تقول إيبك أن ألمانيا القديمة، كان بها ما يميزها، كغوته، على سبيل المثال، ولكن المشكلة الأساسية حلها في انفتاح الثقافة والسماح لها للتغيير. ذات مرة، منذ وقت ليس ببعيد، كانت تقوم بعملها على خشبة المسرح في لايبزيغ، وقامت بتشغيل موسيقى من الأناضول. كانت قاعة الرقص ممتلئة. جاء رجل إليها وطلب منها أن تشغل موسيقى “ألمانية”. فزادت من وتيرة الألحان الشرقية.
أرادت أن ترسل له، هو وكل الألمان، رسالة: “نحن هنا. لن نعود. سنقوم بتشكيل المدينة لكي تناسب حياتنا”.
قالت إيبك “كلنا لدينا بعض الخوف من الآخر، ليس الألمان وحدهم. لكن الألمان تمادوا في هذا الخوف منذ زمن ليس ببعيد، فأخذهم لاتجاه متطرف متوحش، حتى كانت النتيجة أنهم أصبحوا يخافون من أنفسهم، كردة فعل لما حدث”.
قال لي دام “لو كنت كبيراً بما يكفي في ذلك الوقت، أنا واثق أنني كنت سأكون أحد أفراد القوات الخاصة” وأضاف “أتمنى فقط أنني لم أكن لأصبح أحد حراس المعسكر”.
قال جيرد روزنكرانتس، محلل سياسي من برلين، متحدثاً عن جنوح السياسة الألمانية نحو اليمين “الوضع أصبح هشاً. إذا ما حدث شرخ، فقد نعود للماضي”.
في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، عام 1938، عندما وصل ليل الكريستال، أو ليل الزجاج المكسور، إلى بقية ألمانيا، كان قد وصل بالفعل لروتنبرج وببرا. كان الغوغاء هناك قد قاموا بتحطيم نوافذ ومنازل اليهود قبلها بليلتين. قال هاينريش نون، وهو مدرس تاريخ سابق وزميل دام، أن غوبلز نفسه أشاد بالمنطقة. يرعى نون متحفاً صغيراً مخصصاً ليهود روتنبرج في منزل على الفولدا، كان يوماً “ميكفاه” (حمام طقوسي) لليهوديات.
فخور بألمانيا
بعد ظهر أحد الأيام، ذهبت أنا ودام إلى قاعة المدينة ببرا لزيارة أولي راثمان، 56 عاماً، الرجل قوي البنية الذي يدير برامج رياض الأطفال والشباب في البلدة. نشأ راثمان في قرية قريبة، حيث لم ير مهاجراً في حياته. يسميهم الآن “المجتمع الموازي”.عندما أصبح باحثاً اجتماعياً في ببرا، بدأ يعمل مع المهاجرين طوال الوقت. وهو لا يمانع الآن أن يصبح 90% من سكان ببرا من الأجانب.
قرب نهاية حديثنا، أخذني راثمان لأنظر من النافذة على جدار من الطوب يقسم ساحة البلدة. وأشار إلى اللوحة البرونزية التي تحمل أسماء 82 من يهود ببرا الذين قتلوا في المخيمات. ولوحة أصغر تخلد ذكرى المعبد المهدوم.
قال لي حين عدنا إلى موضوع اللاجئين، “إنها لحظة رائعة في تاريخ ألمانيا. لقد أدهشني استعداد الألمان للمساعدة. وهم لا يزالون يقومون بهذا الدور”.
انضم دام، الذي كان يستمع بهدوء، إلى الحوار. قال وقد دمعت عيناه، “لأول مرة في حياتي أشعر أنني فخور بألمانيا”.
نظرت إلى راثمان، فرأيت عينيه تتلألآن هو الآخر. تحدثنا عن مدى صعوبة أن يشعر الألمان بالفخر بشكل صحي، خارج نطاق كأس العالم لكرة القدم. قال راثمان، “ربما يحق للألمان أن يفخروا بمساعدتهم للاجئين”. ربما يأتي الفخر من “تطبيق الديمقراطية”، من الشعور بأن “هذا بلدي، وأنا سأبذل جهداً من أجله”. التفت إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به للبحث عن رقم شخص كان يرى أن عليَّ أن أتحدث إليه، وهو الرجل الذي ساعده في تركيب الأرضيات في مركز الشباب الجديد. إنه فاتح إفرين، من المسجد القريب.
اقرا:
     قصص عن مسارات موت لاجئين سوريين في صحراء أفريقيا


المصدر: ناشيونال جوغرافيك: الأوروبيون الجدد.. رغم تاريخها الأسوأ في رُهاب الأجانب، استقبلت ألمانيا لاجئين أكثر من أيِّ دولة أوروبية

انشر الموضوع