مايو 19, 2024

وفيق عرنوس: كلنا شركاء
لا شك بأن فكرة عاصفة الحزم أو الأمل التي قامت بها المملكة العربية السعودية العام الماضي كانت قفزة نوعية وتاريخية ذات أبعاد استراتيجية من إدارة الحكم السعودي بقصد قيادة حلف عربي إسلامي إلى مربع القيادة للدفاع ليس فقط عن الإسلام بل عن العروبة التي بدونها لن يكون أي شأن للمنطقة برمتها.
إن الحكمة والمسؤولية التي بادرت بها المملكة العربية السعودية للدفاع عن أمنها أولاً وإعادة اليمن إلى حضن العروبة وعدم انزلاق قادته نحو الشيطنة والتلاعب بمصير الشعب اليمني ومصالحه بتلاعب وتوجيه إيراني تارةً وغربي تارةً أخرى. إن السياسة الإيرانية الذكية بعيدة المرامي والتي تهدف إلى خلق بؤر طائفية بحجة الدفاع عنها تارةً والرغبة إلى الوصول للسيطرة على باب المندب تارةً أخرى، ترى في ذلك أهمية لتصبح الدولة المحورية التي تحمل أوراق اللعبة السياسية لمخاطبة الغرب ومصالحه ومعه الشرق الأدنى وحاجته إلى هذه الممرات المائية لأن أهمية السيطرة على باب المندب ومضيق هرمز يأتي في أعلى مراتب الحاجة الغربية والشرقية لهذه الممرات، إضافةً إلى تصاعد الدور العسكري الإيراني المتقدم في كل مجالات الصناعات العسكرية. كل هذا يضع إيران في موضع الاهتمام. إن التغاضي عن دور إيران وخطورته على الشرق الاوسط يعني إعلان وفاة العرب وزوالهم للأبد كما يعني أيضاً إلغاء حكومات ودول في المنطقة وعلى رأسها دول الخليج كما يسهم في فك التحالف الغربي مع هذه الدول لعدم جدواها والاعتماد عليها ويخلق تحالف جديد تكون فيه إيران الدولة المحورية ذات الشأن إذ يسهل التعامل الغربي مع دولة واحدة يقودها إمام واحد بدلاً من التعامل مع اثنا وعشرون دولة عربية غير متفقة مع بعضها على أدنى الأمور الوطنية والسياسية.
إن يقظة حكام دول الخليج والتماسهم كل عيوبهم السابقة والقفز فوقها لتبني سياسة جديدة قائمة على حماية الأمن القومي العربي والمسؤولية التاريخية والأمنية والحياتية لكل العرب وإن التصدي لهذه المهمة النبيلة يحمل في طياته جملة من المفاتيح التي لا بد من إعادة تشغيلها وإعادة تأهيلها والتأكد من صلاحياتها واستمرار دورها وعلى رأس ذلك العلاقة التاريخية مع أمريكا  التي باتت في موضع الشك والريبة من صدق نواياها تجاه المنطقة العربية، وإن كان من حسنة واحدة فيما سمي بالربيع العربي هو امتحان للدور الأمريكي ومساره تجاه الدول العربية وخاصةً الصديقة للغرب إذ بات التلاعب الأمريكي وخلط الأوراق سمة السياسة الأمريكية في عهد أوباما وكذلك امتحان لحلف الناتو الذي كان غاية تأسيسه الدفاع عن كل الدول المشاركة فيه للحفاظ على أمن أمريكا والغرب أولاً ومن ثم الدول المشاركة فيه أمام أي خطر داهم.
إن التحالف السعودي الجديد والذي كان للملكة الدور الرئيس في خلقه وإعلان استعداده للدفاع عن أمن الخليج والسعودية أولاً وسوريا والعراق ثانياً هو أحد أهم الاختبارات لأمريكا وحلف الناتو والغرب في صدقية هذا التحالف الذي كان ولا يزال يستفيد من دور المملكة و تركيا وشعوبهم في رفده بالكوادر العسكرية أو التمويل أو الدور الاستراتيجي لهذه الدول في مواجهة الخطر الآتي من الشرق.
إن إمكانية فك اللغز الأمريكي والتباطؤ في تقديم أي حلول جدية للأصدقاء جعل التحالف السعودي العربي الإسلامي يبحث عن قوى جديدة صاعدة بل وتغيير التحالفات إذا استمرت أمريكا في تجاهلها لمصالح هذه الدول الشريكة والحليفة لها. إن استعداد المملكة السعودية كدولة محورية مهمة قائدةً للوعي العربي في هذه الفترة بالذات يجعل النظر إلى التعامل مع الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها من الدول الصاعدة أمراً في موضع الاعتبار ويدفع أوروبا إلى احترام هذا الدور والدفاع عنه ويجعل الساسة الأمريكان وخاصةً القادمون منهم إلى الحكم لإعادة النظر في الحفاظ على الأصدقاء قبل كسب الأعداء وإن المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج ومصر وتركيا لديهم أهم مفاتيح الخطاب السياسي الجديد القائمة على توازن المصالح وتغير قواعد اللعبة السياسية القائمة على تمزيق الممزق و إعادة هيكلة دول المنطقة بشكل مدني ديمقراطي أساسه الاستقلال في القرار الوطني و الحفاظ على مكونات شعوب المنطقة على اساس المواطنة الحق و المساواة في الحقوق والواجبات لكل أبناء ومكونات دول المنطقة. 
وفيق عرنوس – بوسطن في ١٤/٢/٢٠١٦



المصدر: وفيق عرنوس: أمريكا و حلف الناتو أمام اختبار جدي

انشر الموضوع