يونيو 2, 2024


ترجمة يونادم يونادم: كلنا شركاء
خلال السنوات الأربعة الماضية استطاع فريق سرّي من المحققين المختصين بجرائم الحرب والعاملين لصالح جهة مستقلة تسمى “لجنة المساءلة والعدالة الدولية” ان يقوموا بتهريب مئات الألاف من وثائق السلطات السورية الى خارج البلاد، حيث نقلت بعدها الى مقر اللجنة المذكورة داخل أحد الأبنية في أوروبا الغربية، ثم باشرت مجموعة من المحللين والمترجمين والمحامين بالتدقيق فيها، فتوصلت اثر ذلك الى وضع مسودّة قانونية من 400 صفحة تابعت من خلالها التعذيب المنهجي وعمليات القتل التي طالت عشرات الألوف من السوريين وذلك تنفيذاً للتوجيهات المكتوبة والمصادق عليها من قبل الرئيس (بشار الأسد) مباشرة، والتي جرى التنسيق حولها بين الأجهزة الأمنية والمخابرات مع الأجهزة المنفذة التي تقوم عادة برفع تقاريرها حول مدى نجاح هذه الحملة الدموية الى المسؤولين في دمشق.
لقد جرى دوماً في السابق نقل الأنباء عن قيام السلطات السورية بارتكاب اعمال التعذيب والقتل والاعتقال ضمن أوضاع وظروف غير إنسانية ولكنها لم تكن ترتبط بأوامر موقّع عليها كما هي الحال هنا.
أغلب هذه الوثائق انتزعت من داخل مقرّات أجهزة الأمن والمخابرات التي اجتاحها الثوار، وبعضها الآخر قام بسرقتها شاب مندس في لجنة الأمن العليا المحيطة بالرئيس الأسد. ان هذه القضية التي تسعى الى إنجازها “لجنة المساءلة والعدالة الدولية” هي على وشك الانتهاء من أجل رفعها الى المحكمة الدولية، مع ان طريق العدالة ما زال محفوفاً بالمطبّات السياسية رغم توفر الأدلة، ووحده (مجلس الأمن) التابع للأمم المتحدة يستطيع إحالة الأزمة السورية الى (محكمة الجنايات الدولية) من أجل الملاحقة القضائية، ولا بد من التذكير انه في عام 2014 عارضت كل من روسيا والصين محاولة منح تلك المحكمة صلاحية النظر في الجرائم التي ارتكبت من قبل أطراف النزاع.
لقد قدّم المراسل (بن توب) تقريرا مفصلاً الى مجلة (النيويوركر) موضحاً الكثير من المسائل المتعلقة بتشكيل “لجنة المساءلة والعدالة الدولية” والإجراءات الخاصة بعملية التحقيق، كما انه تتبع الآثار الناجمة عن الخطة التي وضعتها الدائرة المحيطة بالأسد على الناشط (مازن الحمادة) –نموذجاً-، والذي عانى الكثير من جراء الممارسات الاجرامية أثناء الاستجواب والاعتقال، وبالكاد تمكن من النجاة حيّاً.
عملية انقاذ الوثائق شديدة السرية التي تربط نظام الأسد بالتعذيب والقتل الجماعي
لقد قام ذلك المحقق بنفس الرحلة مئات المرات، ودائًما في نفس الشاحنة البالية التي لم تكن تحمل أي بضائع أبًدا. كانت الحدود على بعد أربعين ميًلا يعبر خلالها 11 حاجز تفتيش أمني في المناطق الخاضعة للثوار٬ حيث كان الجنود يعتبرون أنه أحد السكان المحليين، لقد جلب له سوء حظه كمحام في الحرب، كل هذا التنقًل على الطرقات التي تمر في تلك المنطقة، كان يجلب معه أحياناً الوجبات الخفيفة والمياه، وكان يحرص على ان يشكرهم لحماية المدنيين من أمثاله. أما في رحلته هذه التي يقوم بها بعد ظهر هذا اليوم الصيفي فقد حمّل شاحنته بأكثر من 100,000 وثيقة حكومية سورية تم الاستيلاء عليها كان قد جرى دفنها في حفر وإخفاؤها في كهوف وبيوت مهجورة.
انطلق مع الغروب، وبالنسبة للمقاتلين الذي يحرسون الحاجز كان بمثابة شخص مجهول لم يراه أحد. ها قد مرت أمامه حتى الآن ثلاث مركبات استطلاع وأكدت إحداها عبر الراديو ما كان المحقق يتلهف لسماعه: لا نقاط تفتيش بعد. كالعادة كانت الحدود مغلقة ولكن الجنود من الدولة المجاورة سمحوا له بالمرور. تابع الرحلة بشاحنته حتى وصل أخيراً الى موقع احدى السفارات الغربية حيث أوصل البضاعة بأمان إلى محامٍ أمريكي يدعى (كريس إنجلز) الذي كان يتوقع أن تتضمن الأوراق أدلة تربط مسؤولين سوريين كباًر بارتكاب جرائم جماعية. بعد قيامه، ولمدة تزيد عن عقد من الزمن، ، بتدريب عناصر سيمارسون في المستقبل مهمة (القضاء الجنائي) في دول البلقان وأفغانستان وكمبوديا، ها هو اليوم يقود وحدة تعقب جرائم النظام ضمن (لجنة العدالة والمساءلة الدولية – the Commission for International Justice and Accountability) وهي جهة تحقيق مستقلة أسُست في 2012 كرد على الحرب السورية.
قام العاملون في (لجنة العدالة) خلال السنوات الأربع الماضية بتهريب أكثر من 600,000 وثيقة حكومية خارج سورية ٬ والكثير منها تسرب من داخل منشآت استخباراتية شديدة السرية. كانت يتم جلب شحنة الأوراق إلى مقر المجموعة في إحدى الدول الغربية ٬ وأحياناً تحت غطاء دبلوماسي، حيث يتم هناك مسح كل ورقة ضوئياًّ وتحديد (بار كود) ورقم خاص بها وتخزينها تحت الأرض. ويوجد داخل غرفة الأدلة جهاز مزيل الرطوبة والذي يصدر طنيناً من أجل التنبيه، كما يوجد خارج الغرفة مباشرة صندوق صغير به سم فئران.
في أعلى الغرفة المجهزة بباب معدني والتي تغطي جدرانها خرائط لقرى سورية ولوائح تتضمّن الأدوار التي قام بها متهمون عديدون في الحكومة السورية ، وكانت أقوال الشهود والوثائق المترجمة تملأ عشرات الملفات الموضوعة داخل خزانة مضادة للحريق تبقى مغلقة أثناء الليل. يقوم (إنجلز) البالغ من العمر واحًدا وأربعين عاًماً، الأصلع الرياضي وصاحب السلوك المتحفظ، بالاشراف على العملية ٬ ويرفع المحللون والمترجمون تقاريرهم إليه مباشرة. لقد توج عمل لجنة العدالة مؤخًرا بمذكرة قانونية تبلغ 400 صفحة تربط التعذيب والقتل الممنهج لعشرات الآلاف من السوريين بسياسة موثقة ومدونة ووافق عليها الرئيس بشار الأسد، ويجري تنسيق العمليات والاجراءات بين الأجهزة الأمنيه والاستخباراتية ٬ ويطبقها عملاء النظام الذين يرفعون تقاريرهم عن مدى نجاح حملاتهم إلى رؤسائهم في دمشق. تسرد المذكرة الأحداث اليومية في سورية عبر عيون الأسد وشركائه وضحاياهم ٬ وتقدم سجًّلا للتعذيب المدعوم من الدولة يكاد لا يصدق في مداه وقسوته. لقد تكلم الناجون من السجون قبل ذلك عن القتل وأعمال التعذيب والاحتجاز غير الإنساني في سورية ٬ ولكن لم يتم حتى الآن تتبع ذلك إلى أوامر جرى التوقيع عليها بشكل رسمي على المستوى الرئاسي. (ستيفن راب- Stephen Rapp) الذي قاد فرق الادعاء في المحاكم الجنائية الدولية في رواندا وسيراليون قبل أن يخدم لست سنوات كسفير الولايات المتحدة لقضايا جرائم الحرب قال لي إن توثيق لجنة العدالة “أغنى بكثير من أي شيء رأيته وأي شيء قمت فيه كممثل للادعاء في هذا المجال”.
هذه القضية هي أول تحقيق دولي حول جرائم حرب تقوم به وكالة مستقلة مثل (لجنة العدالة والمساءلة الدولية) والتي تمولها عدة حكومات.
ان مؤسس لجنة العدالة (بيل ويلي – Bill Wiley) هو محقق كندي متخصص في جرائم الحرب وعمل مع عدة محاكم دولية بارزة وأصابه الإحباط بعد ان اصطدم بكثرة الصعوبات والعراقيل والخطوط الحمراء الجيوسياسية التي تقف في طريق السعي لتحقيق العدالة. ولكون عملية جمع الأدلة وترتيبها وتصنيفها الى مجموعة قضايا هي عملية تنفيذية صرفه، لذا فقد توصل إلى استنتاج منطقي يقول إنه من الممكن السير في القضية والقيام بها حتى قبل ان توجود الإرادة السياسية لتنفيذها حالياً.
مجلس الأمن في الأمم المتحدة هو وحده القادر على إحالة الأزمة في سورية إلى (المحكمة الجنائية الدولية): في مايو 2014 اعترضت كل من روسيا والصين على مشروع قرار كان سيعطي المحكمة الجنائية الدولية السلطة القضائية للنظر في جرائم الحرب التي ارتكبتها كل أطراف الصراع. مع ذلك قال لي (ويلي) إن اللجنة عليها أيضًا تحديد عدًدا من “الجناة الخطرين المتسربين من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية” الذين تمكنوا من الدخول إلى أوروبا، وأضاف ان “لجنة العدالة ملتزمة بشدة بمساعدة السلطات المحلية في الادعاء”.
لقد أصبح من المستحيل تقريباً حصر القتلى في سورية- توقفت الأمم المتحدة عن محاولة التعداد منذ أكثر من عامين- ولكن مجموعات حقوق الإنسان التي تراقب الأزمة قدرت أن العدد يصل إلى نصف مليون تقريبا، أي بمعدل قتل يتصاعد كل عام. لقد أفرغت الحرب البلاد من حوالي خمسة ملايين سوري استطاعوا الفرار إلى الدول المجاورة وأوروبا ٬ مما ينهك إمكانيات نفس تلك البلاد المستعدة لتوفير اللجوء والمساعدة الإنسانية. لعبت الفوضى أيضًا دوًرا أساسياًّ في صعود (داعش) وهي أكثر الجماعات الجهادية دموية والتي استخدمت سورية كقاعدة لتوسيع مدى الإرهاب.
في الخريف الماضي دعاني (ويلي) لفحص وضع لجنة العدالة داخل مقرها بشرط ألا أكشف عن موقع المكتب والحكومات التي تساعد في استخلاص الوثائق وأسماء العاملين مع استثناءات قليلة.



المصدر: يونادم يونادم: ملفات بشار الأسد السرية (1/9)

انشر الموضوع