يوليو 2, 2024

تشرين- نور ملحم:
ضمن باحة منشأته الصناعية لإنتاج “قمر الدين” الدمشقي الشهير، يقلّب (أبو هيثم) سائلاً لزجاً ذا لون أخاذ تم وضعه ضمن صوان تحت شمس الغوطة الشرقية بمساحة تزيد على 120 دونماً على طريق مطار دمشق الدولي.
ورث أبو هيثم، وهو المزارع والصناعي السوري محمد بشار جاويش، صناعة “القمردين” الدمشقي عن أجداده، وعلى الرغم من انتشار صناعته في كل أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن هذا «القمردين» السوري الذي ولد في غوطة دمشق، يعد الأفضل بما لا يقاس مع أقرانه، ليس لأن المشمش (الكلابي) الذي تنتجه سورية بشكل خاص هو الأكثر ملاءمة لصناعته، وإنما أيضا للمناخ الذي يناسب عمليات التجفيف الطبيعي بدءاً من السطوع الشمسي إلى نسب الرطوبة وغير ذلك من الاشتراطات الخاصة بهذه الصناعة التراثية حسب ما أكده لـ” تشرين ”
إنتاج محدود جداً
وقمر الدين هو عصير المشمش أو شراب الرحيق كما يسمى في المطبخ العربي، ويستهلك عادة خلال شهر رمضان المبارك بكثرة لما له من فوائد عديدة للجسم.

إنتاجية ريف دمشق من مادة قمر الدين بلغت 5 آلاف طن بعد أن كانت تقدر بـ50 ألف طن

ويوضح الرجل الستيني قائلاً: قمنا بزراعة أشجار جديدة عوضاً عن التي أحرقها الإرهاب خلال سنوات الحرب، حيث تم غرس حوالي 10 آلاف شجرة بدأت تثمر، لتعود المزرعة أفضل مما كانت عليه وبدأنا بعصر ثمارها مع كميات أخرى نشتريها من فلاحي بساتين الغوطة.
الغش موجود
يعد قمر الدين مادة دمشقية 100 % واشتهرت في الغوطة الشرقية قبل التوسع بها للمحافظات السورية أولاً، ومن ثم الدول العربية والأجنبية، حسب ما أكده الدكتور محمد أورفلي عضو غرفة الزراعة وريفها، لافتاً في تصريح لـ” تشرين” إلى تضاعف الأسعار بشكل كبير حيث كان كيلو قمر الدين لا يتجاوز ٥٠ ليرة حتى تاريخ ٢٠٠٩، ثم بدأ الارتفاع لتاريخ اليوم، فوصل سعر كيلو قمر الدين فوق 12 ألف ليرة.
وحسب أورفلي توجد العديد من الورشات، تختص بصناعة قمر الدين، وأغلبها أماكن تصنيع أصبحت آلية، والبعض حافظ على التصنبع بالطريقة البدائية وهي عبارة عن براميل للتخزين والتصنيع وماكينة للفرم، ولكن بعض تلك الورشات تقوم باستخدام الجزر والألوان الصناعية ومكسبات طعم بدل المشمش في صناعة قمر الدين، وهو نوع من الغش، وهنا الضرر يعود على المستهلك، بحكم أن المستهلك يتجه تلقائياً لشراء المنتجات المغشوشة كبديل لأن أسعاره زهيدة لتلبية احتياجاته الأساسية.

90% يصدر و10% للأسواق المحلية
بدوره أوضح محمد فياض مدير مديرية الصناعة في محافظة ريف دمشق لـ”تشرين” أن إنتاجية ريف دمشق من مادة قمر الدين بلغت 5 آلاف طن، مشيراً إلى أن هذه أقل مما كانت عليه بالسابق، والتي كانت تقدر بـ50 ألف طن، ولكن ونظراً لتعرض ريف دمشق لأعمال إرهابية وخروج مساحات كبيرة من الأراضي عن الزراعة وحرق الأشجار، إضافة إلى تدمير العديد من المنشآت التي تنتج قمر الدين، تراجع الإنتاج بشكل كبير.

أورفلي: بعض الورشات تقوم باستخدام الجزر والألوان الصناعية ومكسبات طعم بدل المشمش في صناعة قمر الدين وهو نوع من الغش

وأشار فياض إلى أن وزارة الصناعة اهتمت بهذه الحرفة بشكل كبير وقدمت العديد من التسهيلات بهدف إعادة عمل المنشآت إلى ما كانت عليه قبل الحرب، مبيناً أن عدد المنشآت المرخصة والعاملة بشكل جدي هو 15 منشآة فقط من أصل 80 منشآة كانت تعمل قبل الحرب.
وأضاف مدير مديرية الصناعة في محافظة ريف دمشق: يتم تصدير 90% إلى الأسواق الخليجية و10% للأسواق المحلية، فهي حرفة تعود بالكثير من الأهمية على الاقتصاد بحكم جلب العملة الأجنبية إلى سورية لكونها تصدر إلى الأسواق الخارجية، لافتاً إلى أنه قبل الحرب كان التجار يأتون لشراء المنتج ويقومون بدفع الأموال مباشرة أو تحويلها بكل سهولة، أما الآن فالوضع اختلف ولم تعد هناك سهولة بالتعامل بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البلاد.
وختم الفياض حديثه قائلاً: سجل القطاع الصناعي والحرفي مؤشرات نمو لافتة منذ بداية العام الحالي رغم تداعيات الحصار الاقتصادي والتغيرات المتسارعة في الأسواق العالمية، وخاصة قطاع الطاقة وتكاليف الشحن، لافتاً إلى أن التركيز حالياً يتم لدعم الصناعات الاستراتيجية والتصنيع الزراعي وتشجيع الصناعات الضرورية لزيادة الإنتاج الزراعي من أسمدة ومبيدات.
يشار إلى أن سورية تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بإنتاج المشمش بعد المغرب والجزائر، وهناك 14 ألف هكتار مزروعة، وبلغ الإنتاج خلال العام الماضي 33.6 ألف طن، كما أنها تحتل المرتبة الأولى عربياً كدولة منتجة لقمر الدين والثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة وإيران.

فياض: التركيز حالياً على دعم الصناعات الاستراتيجية والتصنيع الزراعي وتشجيع الصناعات الضرورية لزيادة الإنتاج الزراعي من أسمدة ومبيدات

وأضاف جاويش: إن إنتاج سورية من مادة قمر الدين كان محدوداً جداً في السابق ولا يتجاوز 1000 طن سنوياً وفق تلك الطرق البدائية ومع إدخال آلات جديدة للتصنيع وصل حجم الإنتاج إلى عشرات آلاف الأطنان وبمواصفات وخصائص غذائية عالية المستوى ، لافتاً إلى أنه في الماضي كانت تعتمد صناعته على طرق وأدوات بدائية لكن سرعان ما تطورت في مراحل لاحقة لتصبح صناعة آلية في مرحلة التنظيف والتنقية والعصر وإضافة القَطر (السكر المذاب بالماء) ومادة الغليكوز ثم لتصبح يدوية في مرحلة التقطيع والتغليف، وفق الأوزان المطلوبة (200 غرام- 400 غرام) وتغليفه ووضعه ضمن صناديق كرتونية، تمهيداً لنقله إلى الأسواق المحلية وتصديره إلى الأسواق الخارجية، حيث إن هذا المنتج مطلوب بشكل كثير في مصر والسودان والخليج والسعودية والكويت .
100 فرصة عمل
تؤمن المنشآة الواحدة فرص عمل لأكثر من 100 عاملاً وعاملة من الشباب والفتيات من قرى غوطة دمشق ولمعظم أيام السنة، حسب ما أكد المشرف على خط الإنتاج في المنشآة يوسف جاويش، لافتاً في تصريح لـ ” تشرين” إلى أن حجم الإنتاج السنوي يصل إلى 200 طن من ثمار المشمش، وتم تصنيع 150 طناً من مادة قمر الدين المعد للتصدير إلى الأسواق الخارجية نتيجة ما يحويه من فوائد اقتصادية، موضحاً أن لب المشمش لا يتم رميه بل يستفيد منه المصنع بعد تجفيفه تحت أشعة الشمس لخمسة أيام ثم يجري جمعها وتعبئتها في أكياس لتباع إلى تجار كي يقوموا بتصدير القشور واللب كل على حدة، حيث يستخدم في صناعة الزيوت الطبية، لافتاً إلى أن كل 100 طن من المشمش ينتج حوالي 7 أطنان من البذور المجففة .
وعن ارتفاع الأسعار يقول الشاب الثلاثيني: نتيجة ارتفاع المواد الأولية الداخلة في تصنيع قمر الدين كالسكر الذي يتم استيراده من الخارج، إضافة إلى ارتفاع أجور النقل وعوامل الطاقة وأجور الأيدي العاملة، فجميع هذه العوامل انعكست على الأسعار، وبالتالي فإن القدرة الشرائية أصبحت محددة بحكم الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة .
من جانبها، أشارت (فاطمة) وهي عاملة في المنشآة لـ ” تشرين” إلى أن التعامل مع مادة قمر الدين يحتاج إلى صبر وإتقان في العمل، وبالوقت نفسه هو ممتع، فنحن نعمل حوالي 4 ساعات صباحاً منذ الفجر حيث نقوم بسكب عصير المشمش في القوالب لكي يجف ونعمل قبل غروب الشمس حوالي 4 ساعات أيضاً بطوي «لفات» قمر الدين التي نشرت على دفوف الخشب الطويلة بعد بقائها حوالي 5 أيام تحت أشعة الشمس ليصبح قمر الدين.

تابعونا على تويتر

انشر الموضوع